صورها واجزائها وبعضها خاص ببناء العبارة وإيقاعها وتكوين الصور نفسها.
أما بناء القصيدة فيقوم في الأغلب على استثارة فضول السامع كما يفعل الخطيب... ". ويرى أن الشاعر يستخدم وسائل مثل التكرار الخطابي والتكرار المؤكد (ألفاظ ذات معان متقاربة) والجناس الناقص والتقسيم، واقتران الألفاظ بصفات توضح دلالاتها، والأرصاد للقافية من اجل أن يصل إلى غرضه وهو كما يقول: " وكان الشاعر بتكرار هذه الألفاظ ذات الايقاع الواحد والمعاني المشتركة يحاول أن يطبع عاطفته ويحفرها في وجدان القارئ أو السامع إلى أعمق ما يستطيع.
ويثير الدكتور القط مسالة شديدة الأهمية عندما يقول: " ويمكن أن نجد في تلك الصيغ الموقعة المشتركة بدايات واضحة لبعض مظاهر البديع التي يربطها الدارسون دائما بالمخضرمين من شعراء الدولة الأموية والعباسية وببعض شعراء الدولة العباسية كمسلم بن الوليد وأبي نواس ثم أبي تمام رأس هذا الاتجاه وتؤكد هذه الظاهرة الملموسة في شعر الكميت أن التطور الفني الذي عرف فيما بعد باسم البديع... كان تطورا طبيعيا ممتدا متأثرا بطبيعة التجربة عند الشاعر وبحسه اللغوي والموسيقي ".
ويلاحظ الأستاذ احمد نجا، في كتابه عن الشاعر، أن الكميت استخدم التكرار والطباق والترصيع والترتيب والمجاورة لتأكيد المعنى، والالتفاف لتأييد فكرة أو لنفيها، كما يلاحظ أن شعره يتميز بصفاء لغة، وجزالة تعابير وانتفاء مفردات. وأنه جدد من حيث القالب بحيث صار موضوع الناقة ثانويا، ومن حيث الموضوعات إذ هجر النسيب وسخر من الأوضاع البدوية ويقارن بينه وبين أبي نواس ويعطي أمثلة منها قول الكميت:
فدع ذكر من لست من شأنه * ولا هو من شأنك المنصب وهات الثناء لأهل الثناء * بأصوب من قولك فالأصوب ويقارن بين قوله الأخير وقول أبي نواس:
اثن على الخمر بآلائها * وسمها بأحسن أسمائها وبين قول الكميت:
ما لي في الدار بعد ساكنها * ولو تذكرت أهلها، أرب وقول أبي نواس:
ما لي بدار خلت من أهلها شغل * ولا شجاني لها شخص ولا طلل وبعد أن يستنفد وجوه المقارنة بينهما ينتهي إلى القول: " الكميت هو الحافز الحق للثورة الأدبية العباسية والسباق للتحرر والتجديد ".
إن كان الدكتور القط قد خالف الدارسين فاعتبر التطور الفني الذي عرف باسم البديع تطورا طبيعيا يعود إلى طبيعة تجربة الكميت، وإن كان الأستاذ نجا قد اعتبر أن الكميت هو الحافز الحق للثورة الأدبية العباسية، فإن خشافا في حديثه مع أبي تمام قد لاحظ هذا قديما. سأل أبو تمام خشافا عن الكميت بن زيد وعن شعره وعن رأيه فيه، فقال: " لقد قال كلاما خبط فيه خبطا من ذاك [مما لا يجوز] لا يجوز عندنا ولا نستحسنه، وهو جائز عندكم، وهو على ذاك أشبه كلام الحاضرة بكلامنا وأعربه وأجوده ولقد تكلم في بعض اشعاره بلغة غير قومه ".
إذا يذكر الكميت بأبي تمام ومدرسته. ولكن يجب الانتباه لفروق ضروري تحديدها بين طبيعة تجربة الكميت وطبيعة تجربة أبي تمام وشعراء مدرسته، فالكميت كان داعية، يعبر عن موقف سياسي وديني اجتماعي، كان يدعو إلى ثورة، فمسألة التجديد عنده يمكن أن ينظر إليها من زاوية، أنه كان يريد شد الانتباه وتركيزه، وإيضاح المعنى وتأكيده وترسيخه، فاستخدم أساليب الخطابة، وكل هذا يجعل من الضروري أن يكون الشعر متميزا كي ينشر، وذا مستوى من الجودة يحترم من أجله فيحفظ وينشر ويقرأ أو يسمع ويروى ويدرس. وهذا ما دفع الشاعر إلى طلب الغريب وإلى استعمال البديع، وهكذا يمكن فهم بديع الكميت وصناعته من زاوية خدمته لغرض الشاعر الذي كان يريد لقصيدته أن تتسرب وتسري. أما تشهيره بالأوضاع البدوية ففهمه سهل، إذ أن الشاعر يريد من الناس أن يتجهوا إلى معالجة مشكلاتهم الحقيقية وإلى الاهتمام بأمورهم الأساسية.
" مالي في الدار بعد ساكنها * ولو تذكرت أهلها، أرب " نلاحظ هنا اهتمام الشاعر بسكان الدار، بالإنسان الذي يشكل همه الرئيسي. ولعل هذا أفضل رد على من يتهمون الشعر الشيعي بالارتماء في أحضان الحزن، كمنفس للمشاكل. ان الكميت يفتح بابا عريضا للتطور الفني انطلاقا من فكرة الاهتمام بالإنسان، ومصيره، وضرورة معالجته لمشكلاته، وهنا يمكن الفرق بين الأصالة والافتعال.
الفرق بين أن تفرض التجربة الشعرية الشكل، من بناء قصيدة وبناء عبارة، والملائم للمضمون، وبين أن يدور الشاعر على شكل (قالب) يصب فيه معانيه ولا يكون أمامه إلا تزيين هذا القالب وتزويقه. والفرق أيضا بين موقف يرفض التعامل مع الديار كبديل عن التعامل مع ساكنها، وكأنه لاحظ أثر المقدمات المدحية في إغواء المتلقي، والدعوة إلى الاهتمام بالذات، وبين موقف يسخر من الديار وساكنها ويعود في مدائحه ليقتفي آثار نهج يسخر منه بمرارة.
وما كان سهلا أن يتخلص أبو نواس من أسار التقليد لأنه كان يرفض وهو في الإطار ذاته، وهو الإطار المتمثل ب: على الشاعر أن يدور على شكل يبدأ به شعره، ولأنه كان يرفض وهو في داخل أسوار " السلطان ". ومما يؤكد أن تحديد الكميت مرتبط بتجربته كداعية، أن شعره في الأمويين مختلف تماما، إذ هو تقليدي، وقد قال فيه هو: " إن هو إلا كلام ارتجلته "، ولا أهمية لآراء القدماء فيه إذ انهم كما قلنا متأثرون بمقاييس خاصة بهم في المدح. ويقول الدكتور القط عن مدائحه في الأمويين: " إننا نحس إزاء القصيدة بغلبة النظم الردئ والصفة الشكلية التي لا تنضح بعاطفة أو صدق أو توفق إلى ثورة فنية ذات قيمة أو عبارة شعرية محكمة.
الكميت خطيب يستخدم وسائل الخطباء، وهي وسائل ليست مقنعة دائما بالمعنى العقلي للإقناع، وإنما هي تنقل المتلقي بإحساسه وشعوره المتولد عن الوسائل التي يستخدمها الخطيب إلى نتيجة هي موقف المتكلم.
والكميت أيضا جدل، وقد لاحظ الجاحظ هذا: " ما فتح للشيعة باب الاحتجاج بالشعر إلا الكميت "، والمحدثون أكثروا من الحديث عن هذه الصفة في الكميت. يقول الدكتور شوقي ضيف: " يتحول الشعر عند الكميت إلى تاليف حجج وصياغة أدلة. وهذا معنى ما نقوله من أن الهاشميات