مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٠٩
ذلك، أي شئ، أي شئ، وفي أساس كل ذلك قدرة على الاستيعاب مدهشة.
هذه الامكانات الكبيرة لم يكن لها ما يوازيها على المستوى الرسمي. فحيث كان من المفترض بهذه الإمكانات أن تدفع باسم عبد المطلب إلى سجل الشهرة كواحد من المؤثرين والفاعلين في تاريخ بلادهم السياسي والثقافي والأدبي لم يتوفر لهذه الإمكانات والطاقات ما يدفعها نحو تأثرها وعلى العكس من ذلك منيت هذه الامكانات بمن لا يحسن تقديرها وبدا عبد المطلب يغرد خارج سربه منذ ولادة أولى الانقلابات في هذا العالم العربي على يدي حسني الزعيم... فمع مجئ هذا الرجل انقطع النشاط الدبلوماسي وتضاءلت احتمالات تجدده.
تذكر المكتبات والمطابع، ويذكر القراء اسم بدوي الجبل، اسم نزار قباني بينما بقي عبد المطلب خارج التداول مع أنه عاش معهما في فترة واحدة، واشتغل مع بدوي الجبل مثلا في حقل التعليم في العراق، وربما كان في أحد جوانب العمل الفني أغزر نتاجا... هكذا شانه في ميدان النقد وفي ميدان الصحافة وفي ميدان الفكر. في التشريع، في الحقل السياسي... نتداول اليوم بعض شعره الذي جمعه له شقيقه السيد حسن الأمين ونندفع إلى الاعتقاد أن ما يحكيه عنه شعره لا يوازي ما يتداوله البعض ممن عرفوه بل وندفع هذا الاعتقاد قليلا إلى الأمام لنرى بينهما هوة لا يردمها إلا البحث الجاد والمعمق في تفاصيل عبد المطلب مبتدئين من دمشق حيث ولد ونشأ ودرس وتعلم وتخرج حاملا إجازة في الحقوق، وبالتحديد نبدأ من بيت السيد محسن الأمين وننتهي في شقرا، قريته الجنوبية معرجين على الميادين التي عمل فيها: سفيرا لسوريا في موسكو، معلما في دار المعلمين في بغداد، موظفا في وزارة الخارجية السورية وواحدا من مؤسسيها، قاضيا في لبنان، محاميا في الكويت، صحافيا في صحف دمشق بتوقيع القاضي الفاضل، وفي جريدة النداء في بيروت، موظفا في وزارة الدفاع (رئيس قسم التوجيه) في سوريا حتى النكسة 1967... وما تبقى من حياته قضاها في بيت متواضع في منطقة النهر في بيروت وفي بلدته شقرا.
يستوقفنا في عبد المطلب الأمين أنه كان قاضيا ومحاميا وصحافيا وناقدا وسياسيا... الخ على صورة ابتكرها لنفسه وعلى مثال يجمع الفرادة مع ما في الفرادة من جوانب التألق أو جوانب الانكفاء. وإذا لم يكن الشعر ابرز مظاهر هذه الفرادة فإنه نموذج ونتاج لشخصية تكونت خارج هيمنة الطراز السائد.
كتب شعرا كثيرا ولكن صحف زمانه ومجلاته كانت خلوا من أي بيت أو أية قصيدة من قصائده، كتب كما لو كانت الكتابة عنده فيض لا يرد عطاؤه وكما لو أن الشعر عنده عمل عادي وطبيعي كالتنفس لا يستوجب اهتماما كونه، بالنسبة إليه، عملا تلقائيا جاهزا للممارسة على الدوام.
ان بعض المقاييس الفنية تمنحه بامتياز صفة شاعر في وقت تلجأ مقاييس أخرى إلى التقليل من أهمية شعره. فهو من جهة قابض على مجموعة من العناصر الضرورية للانتاج الفني ومنها لغته التي لا شك بتملكه لها اطلاعا على التراث الديني، تراث أهل البيت، التراث الشعري القديم ومن عناصر الانتاج الشعري المستوى الفكري والثقافي الذي تمتع به والذي قال عنه أحدهم اعجابا: انه دائرة معارف، ومنها وضوح الموقف من الأحداث ومن القضايا ومن المواضيع و من العلاقات، وقد كان في هذا المجال صاحب موقف لا يتأخر عن اعلانه مهما كانت الظروف معاكسة.
أما مواقفه من الحياة والموت والحب والزمن... الخ فيمكن استخلاصها مما توفر بين أيدينا من أشعاره وكذلك مواقفه من القضايا السياسية الوطنية والقومية والاجتماعية.
الحياة كلها لم تكن في نظره إلا محطة، لم تكن هدفا لم تكن إلا إضافة كمية ونوعية على التاريخ فقيمتها إذن في حجم ما تضيف لا في حجم ما تأخذ:
ودروب الحياة مهما استطالت * هي في خطونا الملح دروب أو:
تضاءل العمر وانهارت مهابته * حتى استحال تساجيعا وأوزانا والحياة من هذه الزاوية لمح من الحوادث تتراكم بتناقضاتها وتتعاقب تفاصيلها ليضيع العمر بين هذه التفاصيل:
تبا له الزمن الواهي فمر بها * مر الكرام: عيون أوصدت وفم في حياته اليومية، في تفاصيل العلاقات الاجتماعية كان ضاحكا مرحا وفي شعره وجه آخر لهذا الفرح الحياتي. في شعره كآبة ويأس واشمئزاز ونفور وقرف... نفس الأشياء التي يترجمها ضحكه ونكته أمام الناس كان يترجمها في شعره شكوى وتذمرا، المقاييس المختلة بل القيم المختلة أضحكته وأبكته في آن معا. يقول في قصيدة:
إلى أين يمضي بنا ركبنا * عنيفا لجوجا على عمرنا (1) ان تراكم هذه التساؤلات هو بحد ذاته دليل على شكوى داخلية عميقة:
إلى أين؟ وحتام؟ أكنا... وهل؟ ومن؟...
ويختم أبياته بخيبات الأمل وباسفاف الأوهام وبالانتظار الممل.
في قصيدة أخرى نظمها كما يبدو في أواخر حياته يحشد عددا من المفردات يكفي مجرد استعراضها للتأكيد على انزعاجه الشديد من القيم المختلة تلك:
ضلال العمى وضلال البصر * وحمى الحلال وحمى السفر (2) على أن هذه الأجواء المفعمة بالتساؤلات لم تشكل كما عند الرومنطيقيين مثلا مرضا اسمه الهروب مما قد يعترض الانسان من مشاكل والاحتماء بحصن الأنا والذات والانكفاء إلى عالم داخلي باطني صوفي تأملي... لقد كان عبد المطلب يرى إلى الواقع بعين ثاقبة ويحسن تشخيص الداء من اعراضه وتدفعه جرأته إلى اعلان موقفه، وموقفه كان دائما منحازا إلى شعبه إلى المظلومين والمستعبدين في كل زمان، منحازا إلى تلك القوى المناضلة من أجل تحرير بلادها وتحرر شعوبها من صلف الحكام واستهتارهم وامتهانهم لكرامات الناس وأعراضهم وأسباب عيشهم، منحازا إلى أهل البيت وشعره ينضح اعجابا بهم وتمسكا بتاريخهم وتمسكهم العنيد بقضية ما زالت حتى اليوم تقبض على هواجس بعض ذوي القربى والسلالات، منحازا إلى القضية القومية، قضية فلسطين مستشرفا مستقبلها منذ أيامها الأولى... وربما بسبب مواقفه الواضحة تلك عاش عبد المطلب حياة سماها حياة التشرد وحياة الغربة:
في أي صقع استقر واسكن * ولأي ظل استريح واركن (3)

(1) راجع القصيدة في ترجمته.
(2) راجع القصيدة في ترجمته.
(3) راجع القصيدة في ترجمته.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301