وزارة الخارجية احتجاجا على انقلاب حسني الزعيم وبذلك بدأت مرحلة جديدة من العمل السياسي عند عبد المطلب.
في الحقل الدبلوماسي لم يكن هاويا. لقد كان محترفا رغم حداثة عهده في هذا الحقل، بل لقد كان محترفا بامتياز. في حقل النضال الحزبي والشعبي والجماهيري كان عبد المطلب هاويا، لم يدخل في تنظيم حزبي لكنه منحاز لحزب الناس، للمستضعفين، للفقراء، الذين سلبهم الظالمون حرياتهم، والمستثمرون خيراتهم والمستعمرون أوطانهم، كان منحازا ضد المتآمرين على بلادهم، ومنذ اللحظة الأولى لانقلاب حسني الزعيم أعلن موقفه واضحا:
لقد تمرد عبد المطلب لأنه رأى في حسني الزعيم خطرا على البلاد بتسلطه وارتباطاته ولأنه كان وفيا للذين تعاون معهم قبل الانقلاب، ونظم قصيدته الشهيرة في حسني الزعيم (1).
(نذكر بالمناسبة أن الشاعر نزار قباني كان قد تغزل بحسني الزعيم).
بعد هذه القصيدة الوطنية ضد صاحب الانقلاب فصل عبد المطلب من الوظيفة وكانت قصيدته قد انتشرت انتشارا كبيرا. وعلى أساس مثل هذا الموقف الوطني كان عبد المطلب مع قضايا الشعب والوطن كتب عن آلامهم وأفراحهم ومعاركهم ضد الاستعمار، كتب عن الفدائي، عن معركة القناة، قناة السويس، عن حكم كميل شمعون عن الهزيمة 1967.
من وحي مهنته قاضيا، وجد نفسه يحاكم قسرا متهمين شتان بين جرائمهم وجرائم من يتربعون على كراسي الحكم.
وكان بسبب مواقفه الوطنية شاعرا جماهيريا يتضخم المهرجان ويتضاعف عدد المشتركين فيه والحاضرين له إذا كان عبد المطلب في عداد الخطباء.
ان ذلك يفسر لنا الشفافية التي امتاز بها في حسه الشعبي وفي مواقفه الجماهيرية وفي قدرته على التعبير عما يجول في خواطر الناس من حوله والشهادات على ذلك كثيرة. في مثل هذه المواقف وإزاء مثل هذه القضايا كان عبد المطلب يهجر أسلوبه الكئيب يائس الذي تحدثنا عنه ليعود إلى أسلوب مفعم بالثقة بالمستقبل وبالناس، مستند إلى هذه الثقة في سخريته من القيمين على أمور شعبهم من النماذج الشعرية التي كتبها تلك التي تركها بعد الهزيمة في دمشق واعتزل بعد وظيفته وكان يومذاك رئيسا لمصلحة التوجيه و التعبئة في وزارة الدفاع السورية. كتب هذه القصيدة وترك سوريا والوظيفة و غادر إلى لبنان.
قال يعارض قصيدة شوقي التي مطلعها:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا * مشت على الرسم احداث وأزمان نم وانس جلق واندب حظ من هانوا * على الأرائك أطفال وغلمان على الحدود تلاميذ ومدرسة * وفي السرايات ضباط وأركان مع العدو رعاديد واقفية * مع الرفاق منافيخ وشجعان مع الجواسيس تطنيش ومغيبة * وفي المباحث تعذيب وامعان تضاءلت قيم التاريخ فانتفخت * فيه الزقاق وشاب الحور والبان مررت في معرض التاريخ اسأله * هل للعروبة في البازار دكان هل نحن في معرض التاريخ اقفية * أم اننا قيم تنمو وانسان؟
هل نحن عربدة تطفو كما زبد * أم أننا في يد التاريخ برهان هل نحن معولة الهدام أم يده * منارة فيداه اليوم بركان؟
قم سائل الأكمه التاريخ: هل عبرت * مع الحضارة في مثواه عربان؟
هل عشعش القمل في أفيائه وحبا * حتى تضايق أهل ثم جيران؟
تبا له القزم التاريخ وانفجرت * شفاهه عن نوايا هن عدوان لولا دمشق لما طارت قنيطرة * ولا ازدرى ببني القفقاس دايان كل الشهور وصمناها بمأثرة * وكان آخر من قاسى حزيران وقبله كان آذار وثورته * وجاء من بعد تشرين ونيسان أما شباط فلم نترك به رمقا * للثائرين فللثوار أحزان وكان يوليو: وحدث دونما حرج * عن الشقيق ليونيو نحن اخوان وأشهر الهجرة الغراء رصعها * من الأشقاء بالثورات رمضان وارحل لسيناء واسأل في متاهتها * عن المشير وقد وارته أكفان من تاه فيها: أموسى في جماعته * أم جيشه اللجب حفيان وعريان موشي يرد لفرعون هديته * مع الفوائد فالديان دايان سل الحشيش سل الأفيون أن فرغت * حقائب، ففم التاريخ ملآن ملآن باللعنات السود يبصقها * في وجه من غدروا عمدا ومن خانوا وراء كل مواقفه صدق انتمائه. لقد انتمى إلى شعبه في جبل عامل، إلى قضية شعبه والشعوب العربية، إلى القضية الفلسطينية، إلى قضية الحرية، إلى قضية الإنسان... لذلك آمن بالانسان، بقدرته على تغيير العالم، بقدرته على صنع المستقبل.
هذا عبد المطلب السياسي المنحاز إلى شعبه في معاركه الوطنية في معارك عماله وفلاحيه ومثقفيه، في نضاله ضد الغلاء وضد القمع، في كفاحه من أجل التحرر. لكن هذا السياسي الواضح في انتمائه لم ينخرط في تنظيم حزبي ولم يعمل باتجاه الزعامة الشعبية عن أي طريق رغم كونه ابن السيد محسن ذي الموقع المعروف كرجل دين، وكرجل دين مميز. كان بإمكانه أن يستعين بهذا الموقع الاجتماعي والديني للحصول على موقع سياسي لكنه لم يفعل.
كما الشاعر والسياسي كان عبد المطلب المفكر وعبد المطلب القاضي وعبد المطلب المحامي والصحافي والناقد... فكره هو موقفه بل هو جملة مواقفه التي عبر عنها شعرا وصاغها في زاويته في جريدة النداء وفي بعض ما نشره في صحف دمشق بتوقيع القاضي الفاضل وفي أحاديثه ونقاشاته مع أصدقائه وندمائه...
المسلك الثاني هو مسلك السخرية والنكتة والفكاهة الحاضرة دائما والفكاهة تعريفا هي مهارة اللعب على التناقض بين ما هو طبيعي وما هو مفتعل، عادي وغير عادي، سائد ومنقرض... الخ ولا يمتلك القدرة على الفكاهة من كان لا يمتلك ناصية النقيضين، على حد سواء.
وتزداد المهارة في ابتكار الفكاهة كلما اتسعت مادة الفكاهة لتشمل كل شئ، نعم كل شئ، القضاء، السلطة، الوزارة، السفارة، القصيدة، الصديق، الزوج الشيح، المسائل الحياتية الاجتماعية الأخلاقية إلى ما هنالك من أشياء ومواضيع، وبذلك تتجاوز الفكاهة حد التهريج والضحك الشكلي وتصل في مستواها وغناها حد الطرب الأصيل وهذا ما كان يتقنه عبد المطلب إلى آخر مداه مما يجعله متحدثا وحيدا في الجلسات والحاضرون على ترقب لجديد من طرائفه وحكاياته وأشعاره واخباره...