كان دهخدا رفيقا في باريس للسيد محمد قزويني، ثم انتقل إلى ايفردون Iverdon في سويسرا حيث أصدر ثلاثة اعداد أيضا من جريدة صور إسرافيل، وانتقل بعد ذلك إلى استامبول فأنشأ بمساعدة عدد من الإيرانيين الذين كانوا في تركيا جريدة باسم (سروش) [ملك الوحي] باللغة الفارسية، وصدر منها حوالي خمسة عشر عددا. وبعد خلع محمد علي شاه انتخب دهخدا لتمثيل طهران في المجلس النيابي ودعي من تركيا إلى طهران.
وقد انزوى دهخدا خلال الحرب العالمية الأولى في قرى (چهار محل) البختيارية قرب أصفهان، ثم عاد بعد الحرب إلى طهران، وانصرف إلى الدراسات العلمية والأعمال الأدبية والثقافية، وتولى مدة رئاسة ديوان وزارة المعارف، ورئاسة تفتيش وزارة العدل، ورئاسة مدرسة العلوم السياسية، ثم عهد إليه برئاسة مدرسة الحقوق العليا والعلوم السياسية بطهران، وتفرع من ذلك العهد حتى ختام حياته للمطالعة والتحقيقات وتصنيف كتبه.
توفي في 27 - شباط 1955 في منزله، ونقل جثمانه إلى الري (ضاحية طهران الجنوبية) ودفن في مدافن (ابن بابويه).
مؤلفاته أهم مؤلفاته كتاب (لغت نامه) الذي سنتحدث عنه في آخر الكلام. وله غيره مؤلفات وتحقيقات في مواضيع أدبية مختلفة نذكر منها ما يلي:
كتاب (أمثال وحكم) وقد ضمنه أمثالا ومصطلحات وكنايات واخبارا وأحاديث وسواها. في أربعة اجزاء.
وقد ترجم إلى الفارسية من آثار مونتسكيو (عظمة وانحطاط الرومان) De la grandeur et de la decadence des Romains و (روح القوانين) esprit ` L des lois والكتابان لم يطبعا.
وله قاموس فرنسي فارسي يضم الكلمات العلمية والأدبية والتاريخية والجغرافية والطبية الفرنسية مع ما يعادلها في الفارسية والعربية. وقد شغل بتأليف هذا القاموس من مطلع شبابه إلى أواخر عمره، وهو لم يطبع.
وله تعليقات وتصحيحات لعدد من الدواوين الشعرية القديمة والقواميس اللغوية والكتب الأدبية الفارسية بعضها مطبوع وبعضها لا يزال مخطوطا. من هذه الكتب والدواوين الفارسية ديوان ناصر خسرو، وديوان حسن غزنوي، وديوان حافظ الشيرازي، وديوان المنوجهري، وديوان الفرخي، وديوان مسعود سعد، وديوان السوزني السمرقندي، وديوان ابن يمين، ثم لغة الفرس للأسدي، وقاموس صحاح الفرس، وقصة (يوسف وزليخا) المنسوبة إلى الفردوسي.
وله مجموعة مخطوطة تضم حكما وكلمات قصارا على طراز حكم (لاروشفوكو) كما أن مجلة (شورى) الطهرانية نشرت مجموعة مقالاته في صور إسرافيل وسروش.
وله ديوان شعري لا يزال مخطوطا.
لغت نامه استطاعت اللغة الفارسية الدرية (المتداولة اليوم) في فترة تقرب من عشرة قرون وبفضل شعراء كبار كالرودكي والفردوسي والعنصري والفرخي والمنوچهري والنظامي والسنائي والعطار والمولوي وسعدي وحافظ وكتاب بارزين كالبلعمي والبيهقي والگرديزي والوطواط وسعدي والفراهاني وسواهم ان تصل إلى مرتبة أصبحت تستطيع معها أن تعبر عن أدق المعاني وأرق الأحاسيس وأعمق الأفكار. وقد توسعت اللغة الفارسية الدرية مع الزمن ودخلها كثير من الكلمات والتراكيب اللغوية من اللغات الإيرانية الفرعية كالسغدية والختنية والخوارزمية، ومن اللهجات المحلية الإيرانية كالسكزية والزاولية والأفغانية والكردية واللرية والفارسية وغيرها، كما دخلها كلمات من العربية والتركية والفرنسية والانكليزية والروسية والألمانية، وكلما أتى عليها حين من الدهر زادت ثروتها التعبيرية حتى غدت اليوم وبعد أحد عشر قرنا من التطور والتقلب على ما هي عليه من الطاقة والدقة. وكانت هذه اللغة العريقة المعبرة جديرة بمعجم يصورها بمجموعها وبمختلف شعبها، إذ أن المعاجم التي ظهرت حتى الآن في إيران والهند وتركيا لا تفي قط بحاجة الأدباء وطلبة العلم، ذلك لأن بعضها يضم الكلمات الفارسية وحدها دون الكلمات العربية (المستعملة في الفارسية) مثل معجم " لغة الفرس " للأسدي و " صحاح الفرس " و " برهان قاطع "، وبعض يضم الكلمات العربية والفارسية مثل " غياث اللغات " و " قاموس آنندراج "، ولكنها جميعا لم تضبط الكلمات المستعملة سواء الفارسية منها أو العربية، وإذا ما ضبط بعضها قسما من الكلمات فان الطريقة التي استعملتها تلك المعاجم لا تدفع الالتباس، كما أنها تكتفي من المعاني المتعددة للكلمة الواحدة بمعنيين أو ثلاثة، مهملة باقي المعاني، عدا أن في المعاني الموردة أخطاء جسيمة وغير قليلة في كثير من الأحيان وبعض تلك المعاجم يهمل اطلاقا ايراد الشواهد على المعاني والكلمات، وحتى المعاجم التي تورد شواهد منها (كمعاجم جهانگيري، رشيدي، انجمن آرا، سروري) انما تنقل شواهد على قسم من معاني بعض الكلمات، ومعظم هذه الشواهد من الشعر لا من النثر، كما أن في تطبيق المعنى على الكلمة وفي مفهوم الاشعار أخطاء بارزة في كثير من الأحيان.
يبدو بعد هذه المقدمة مدى وجوب تأليف قاموس فارسي جامع، هذا العمل الذي تم على يد المترجم.
ان (لغت نامة) انما هو خلاصة مطالعات مستمرة وجهود جبارة مدى خمس وأربعين سنة من دهخدا وعدد من أصدقائه، لقد كتب خلال هذه المدة قريبا من ثلاثة ملايين بطاقة (فيش) من متون الكتب المعتبرة من أساتذة النظم والنثر في الفارسية والعربية والقواميس المطبوعة والخطية وكتب التاريخ والجغرافية وعلوم الطب والهيئة والنجوم والرياضة والحكمة والكلام والفقه وسواها، وقد كانت هذه البطاقات نواة (لغت نامه).
اطلق على معجم دهخدا في مشروع القانون الذي تقدم به عدد من النواب في مادة وحيدة سنة 1945 اسم (دائرة المعارف الفارسية) و (دائرة معارف السيد علي أكبر دهخدا)، وفي القانون الذي صدر في مادة وحيدة سمي (معجم السيد دهخدا اللغوي)، وكذا سمي في الميزانية (معارف السيد دهخدا). أما دهخدا نفسه فقد تحاشى اطلاق اسم ضخم كدائرة معارف أو انسيكلوپيدي واكتفى بتسمية الكتاب بكتاب اللغة (لغت نامه) مستمدا الاسم من معجم الأسدي، أول قاموس موجود بالفارسية إذ جاء فيه:
" وقد طلب ولدي الحكيم الجليل الأوحد اردشير بن ديلمسپار النجمي