" وأما الجمعيات والأحزاب والنوادي العلنية فهي التالية:
" المنتدى الأدبي، حزب اللامركزية العثماني بمصر، الجمعية الاصلاحية في بيروت، وجمعية البصرة الاصلاحية وغيرها من الجمعيات الصغيرة وقد عقد مؤتمر من الشبيبة العربية في باريس لبحث حقوق العرب اطلق عليه اسم (المؤتمر العربي الأول).
" وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الجمعية السرية المسماة " اليد السوداء "، والتي كان طالب الطب في الآستانة (داود يوسف الدبوتي) من الموصل من أبرز مؤسسيها، وكانت الغاية من تأسيسها اغتيال كل من يناوئ الفكرة العربية من رجال العرب خدمة منهم للاتحاديين لقاء منافع ومطامع شخصية، لم تتمكن من الحيلة فانحلت قبل أن تمضي سنة واحدة على تأسيسها واندمج أعضاؤها في الجمعيات الكبرى ".
المنتدى الأدبي " وأما أبقى هذه الجمعيات وأخلدها ذكرا وأعظمها أثرا وفائدة للعنصر العربي فكان هو المنتدى الأدبي ذو الأهداف العلمية الأدبية الاجتماعية.
" بعد أن ألغى الاتحاديون جمعية الآخاء العربي العثماني. في أعقاب ثورة 13 ابريل المضادة، رأى فريق من شباب العرب النبهاء في الآستانة وفي مقدمتهم طالب الحقوق عبد الكريم قاسم الخليل من أبناء جبل عامل في لبنان ضرورة تشكيل ناد علمي يجمع شبان العرب. إذ كان عبد الكريم، عند تأسيس جمعية الآخاء العربي - العثماني من الذين نشطوا في الدعاية لها، فكان يبث فكرة التآخي بين شبان العرب، ويدعوهم بين آونة وأخرى إلى بناية الجمعية فيعرف بعضهم ببعض ويشرح لهم فوائد الاتحاد والوفاق، ويذكرهم بماضي أجدادهم وتاريخهم المجيد فلما حل الاتحاديون الجمعية مع كافة فروعها والغوا جريدتها " الآخاء العثماني " بدعوى وقوع بعض ما لا يناسب في سورية عند حدوث ثورة 13 نيسان وظهور الأفكار الرجعية في تشكيلاتها وأعضائها شعر شبان العرب بالفراغ فألفوا المنتدى الأدبي في 16 محرم 1327، الموافق 8 شباط 1910، وكان القصد من إيجاده أن يجمع شبان العرب وطلابهم تحت سقفه وبين جدرانه بدلا من أن ينتشروا في المقاهي، أو يمضوا أوقاتهم بالبطالة متجولين من مكان إلى مكان آخر، فيؤمن لهم مبيتا نظيفا وحياة طيبة.
أما الذين اشتركوا مع عبد الكريم الخليل في تأسيسه فكانوا نخبة من طلاب العرب في الآستانة من أبرزهم يوسف مخيبر، سليمان حيدر من بعلبك، ورفيق رزق سلوم من حمص، سيف الدين الخطيب من دمشق، أحمد خليل الحسيني من القدس، وكان يضم بين جدرانه شبانا من جميع الأقطار العربية، فترى السوري والعراقي واليماني والحجازي والبرقاوي والطرابلسي والفلسطيني جنبا إلى جنب يترنمون بذكر أمجاد العرب.
ثم يتحدث باطناب عن المنتدى الأدبي قائلا:
" هو الجمعية التي أحيت الروح القومي وبثت المبادئ السامية بين طبقات الشبيبة العربية في الآستانة وخارجها، وكانت خطته الوحيدة نشر الدعوة للقضية القومية الوطنية). وقال الأستاذ مصطفى الشهابي الذي عاصر الحوادث وعاش في جوها " ان هذا النادي كان مباءة العروبة في عاصمة الدولة. ففيه كان الطلاب الجدد يتلقون ممن تقدمهم في الدراسة مبادئ القومية العربية ومراميها وفيه كانت تدرس وتناقش خطط الأتراك الاتحاديين الرامية إلى تسييد القومية التركية والقضاء على القوميات السائدة في الدولة. وكانت أهداف النادي القومية تبرز على الملأ فيما كان يلقى فيه من محاضرات وخطب وما كان يقام فيه من حفلات، وما كان ينشر في مجلته من بحوث وقصائد ومقالات وأناشيد وطنية، وما كان يدور فيه من أحاديث ومناقشات في الشؤون العربية سواء بين بعض أعضائه وبعض، أو بينهم وبين زوار النادي الكثيرين من نواب وساسة وموظفين وجالية عربية مقيمة في العاصمة ".
لم يكن نشاط شبان العرب في تأسيسه مقتصرا عليهم فقط انما لقوا مؤازرة كبيرة من رجالات العرب السياسين في الآستانة وفي مقدمتهم خليل حمادة باشا وزير الأوقاف، وعبد الحميد الزهراوي، وشفيق المؤيد، ورضا الصلح، ورشيد رضا، وحقي العظم، ورفيق العظم، والطبيب حسين حيدر وطالب النقيب وعزيز علي المصري، وندرة مطران، ونخلة مطران، ورشدي الشمعة الذين كانوا يلقون الخطب أحيانا في احتفالاته.
كانت الفكرة التي وجهت عبد الكريم هي أن تكون قواعد المنتدى الأدبي مبنية على التربية الأساسية ورفع المستوى العلمي والأدبي والاجتماعي لخدمة الفكرة القومية العربية، فوضع له منهاجا مفصلا عرضه على الشيخ رشيد رضا، وكان يومئذ في الآستانة، لاصلاح لغته، ثم على وزير الأوقاف خليل حمادة باشا بغية تنقيح بنوده لاشتغاله في مثل هذه المؤسسات ولسعة اطلاعه وخبرته الكاملة. فرحب الوزير بهذا العمل الجليل وشجع القائمين به. وبعد أن درس المنهاج ونقح ما نقح منه وضع للنادي اسمه المعروف، ووعد أن يخصص له سنويا معونة قدرها خمسمائة ليرة عثمانية من الأوقاف على أن يكون كمعهد علمي للشباب العربي تلقى فيه المحاضرات العلمية في الليل وتؤسس فيه مكتبة قيمة، مع اتخاذ البعض من غرفه مأوى لأبناء العرب الذين لا تساعدهم حالتهم المالية على السكن في الفنادق وما ان اطلع المخلصون من رجالات العرب على تأسيس المنتدى حتى اندفعوا في مساعدته وتشجيعه فوضع شكري بك الحسيني محاسب وزارة المعارف، وأحد أعضاء هيئة إدارة جمعية الآخاء العربي - العثماني المنحلة، تحت تصرف النادي ستين ليرة عثمانية كانت باقية لديه من صندوق تلك الجمعية، ثم سلمه كل ما كان للجمعية من أثاث ورياش وتلقى النادي عدا ذلك مساعدات مالية كبيرة من طالب النقيب، وزميله أحمد الزهير من مبعوثي البصرة هذا فضلا عن كونه قد قام بتمثيل روايتي صلاح الدين الأيوبي، وامرئ القيس، وجمع من ريعهما مبالغ كبيرة أضيفت إلى المبالغ السابقة فتوفرت لديه القوة المالية للسير إلى الإمام.
لم يكن للمنتدى الأدبي صحيفة تخدم أغراضه في الفترة الأولى من تأسيسه، إنما كان عبد الكريم الخليل يكتب هو وبعض زملائه في الجرائد العربية التي كانت تصدر في الآستانة كجريدة (الحضارة) لعبد الحميد الزهراوي والجرائد التي تصدر في سوريا والقاهرة وأراد أن ينشئ له مجلة خاصة به غير أنه عندما رأى أنه قد صدرت مجلة باسم (لسان العرب) من قبل جمعية العلم الأخضر (1)، بإدارة وتحرير أحمد عزت الأعظمي سعى عبد الكريم