الدعوى المزبورة بأنه يلزم تحريم السفر من فرض جوازه، وعدم إمكان الصلاة من فرض إمكانها.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام من الجواب عن الدعوى المزبورة بالنقض، وأن الحرمة على تقديرها أيضا مما يستلزم وجودها عدمها، إذ لو حرم لم يمنع فلا يكون محرما، لأن المحرم المفوت، وفيه ما عرفت إلا أنا في غنية عن ذلك كله بما سمعت، نعم قد يمنع اقتضاء الجواز الحرمان، إذ أقصاه جواز الترك لا حرمة الفعل، فمع فرض الصلاة جمعة في الطريق لم يكن عليه إثم بوجه من الوجوه، لعدم الدليل على حرمة ما يقتضي نقل الوجوب من العيني إلى التخييري مع عدم اختيار الترك بعد الانتقال، ونية الوجوب على جهة التعيين لم يثبت وجوبها، نعم لو اختار الترك أثم بعدم امتثال التكليف حال الحضور ولو بالفعل حال السفر الذي كان يقوم مقامه ويجزي عنه والحاصل أن جواز الترك من حيث السفر لا ينافي الوجوب من حيث العارض، وهو امتثال التكليف الأول، ومثله لا يعد تقييدا لأدلة الوضع في حال السفر: فتأمل جيدا فإنه ربما دق. وكيف كان فالأقوى جواز السفر المزبور ووجوب الجمعة خلافا لثاني الشهيدين وسبطه وبعض من تأخر عنهما.
ثم الظاهر أن اعتبار الزوال في المتن وغيره في الحرمة إنما هو بالنسبة إلى من يجب عليه السعي قبله كالحاضر في محلها، أما من كان بعيدا عنها بفرسخين فما دون بحيث لا يمكنه الوصول إليها إلا قبل الزوال فإنه يجب عليه السعي مثله إليها قطعا، وحينئذ فالظاهر حرمة السفر وغيره مما يمنع فعلها عليه أيضا قبله، إلا أن الظاهر اختصاص ذلك في وقت الضيق، لعدم الوجوب قبله، فلا بأس بالسفر وغيره فيه، لكن في المدارك " أنه لو قيل باختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال وأن وجوب السعي إلى الجمعة قبله للبعيد إنما يثبت مع عدم إنشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب "