قد يقال: إن المراد منه الأرض بقرينة غيره من الأخبار، وهو أرجح من احتمال العكس من وجوه لا تخفى.
فظهر حينئذ ضعف تأييد مذهب الخصم به، بل وكذا أخبار التراب مع عدم سوق بعضها لبيان ذلك، ومع عدم الأمر بالتيمم به حتى ينافي ما دل على الأرض، ومع دعوى شيوع فرد التراب منها، وكذا أخبار الطين، بل بعضها ظاهر في التأييد للمختار كما عرفت، على أن إطلاق لفظ الصعيد على التراب لا ينافي أنه الأرض بعد شيوع استعمال الكلي في الفرد، ودعوى ظهور الخصوصية منه ممنوعة، بل يمكن الجمع بين كلام أهل اللغة وإن بعد بهذا الاعتبار أو قريب منه، فيحمل التراب في كلامهم على إرادة التنصيص على أكمل الأفراد وأشيعها، بل لعل ذلك جار في كل ما كان من هذا القبيل في كلام أهل اللغة، وهو أولى من العكس قطعا، أو يقال: إن تعارض كلام أهل اللغة في ذلك منبئ عن استعمال الصعيد في التراب وغيره، كما أنه كذلك في نفس الأمر، وأصالة عدم الاشتراك والمجاز تقضي بكونه حقيقة في القدر المشترك سيما بعد استعماله فيه نفسه، مع أنه لو أغضينا عن ذلك كله لكان المتجه الأخذ بجميع كلماتهم، فينبغي الحكم حينئذ باشتراك لفظ الصعيد بين الخاص والعام، كما عساه يومي إليه ما عن المصباح المنير، قال بعد تفسيره الصعيد بوجه الأرض ترابا أو غيره: " ويقال الصعيد في كلام العرب على وجوه، على التراب الذي على وجه الأرض وعلى الطريق " انتهى. بل وكذا ما في القاموس " الصعيد التراب أو وجه الأرض " إن حمل لفظ " أو " فيه على معنى الواو.
وعلى كل حال يكون ما ذكرناه سابقا من الأمارات معنيا لإرادة العام منها، مع احتمال ترجيح التفسير بالعام عليه بأنه يؤل إلى تعراض الاثبات والنفي تنزيلا لتعدد أفراد المعنى مع استعماله في كل منها على وجه الحقيقة منزلة تعدد المعاني، والأول مقدم