عشية ويشرب غدوة أو بالعكس، وأن ما عدا ذلك حرام، وظاهر أن مضي هذه المدة لا يقتضي تحريما، فهو إما لكونه مظنة للنشيش والغليان، أو لحصول الاسكار، وبمجرد هذا المكث لا يحصل إسكار بين، فوجب كونه للنشيش، فإنه كثيرا ما يحصل معه ذلك في البلاد الحارة.
والجواب عنه:
أولا: أن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار أن ما ينقع غدوة ويشرب عشية أو بالعكس فهو حلال، وأن ما عدا ذلك حرام مطلقا، فلا تدل عليه بوجه..
فإن الأولى تدل على أن ما تعدوا فيه هؤلاء فهو حرام، وأما أن تعديهم في أي شئ وبأي قدر فلا. قال في الوافي: إن الجبابرة تعدوا وغيروه بإكثار الزبيب والتمر فيه، وإطالة مدة النقع، حتى صار نبيذا مسكرا (1).
فيمكن أن يكون تعديهم إلى حد الاسكار.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا في رسالته المعمولة في هذه المسألة، من أنه لا يمكن أن يكون ذلك التعدي بالغا حد الاسكار، إذ من المستبعد جدا - بل المستحيل عادة - تظاهر الناس بشراب النبيذ المسكر في زمن الصحابة والتابعين في المسجد الحرام بفناء الكعبة مع فتاوى الفقهاء وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله على الحظر، وأن ما يسكر كثيره فقليله حرام.
ففيه - مع أنه لم يكن في زمن الصحابة بل ولا التابعين إلا ما شذ منهم وندر، ومع أنهم قد تظاهروا على أمور كثيرة هي أشد مما ذكر وأشنع