تعالى كلم موسى (عليه السلام) ولم يكلم عيسى (عليه السلام) وأنه قائم بذاته سبحانه قيام الفعل بالفاعل لا الحال بالمحل وحادث مسبوق بالعدم، فلهذا لا تتوفر فيه مميزات الكلام النفسي.
هذا إضافة إلى أن المراد من المتكلم في الآية الشريفة هو التكلم بالكلام اللفظي، فإنه تعالى كلم موسى (عليه السلام) بكلام لفظي لا معنوي لأنه عندهم مدلول للكلام اللفظي، فاذن لا مجال للاستدلال بالآية الشريفة على وجود الكلام النفسي، إلا أن يراد من الكلام في الآية المباركة مدلوله الذي هو كلام نفسي عندهم، ولكن بما أنه لا تتوفر فيه مميزاته فلا يكون كلاما نفسيا، وذلك لأنه إن أريد به مدلوله بالحمل الأولي الذاتي فهو مضافا إلى أنه أمر حادث مسبوق بالعدم ليس قائما بذاته تعالى لا قيام الصفة بالموصوف ولا قيام الفعل بالفاعل لأنه مفهوم محض وثابت في عالم المفهومية فحسب، وإن أريد به واقعه بالحمل الشائع فهو وإن كان قائما بذاته تعالى ولكنه من قيام الفعل بالفاعل لا الصفة بالموصوف.
فالنتيجة، أن الآية الشريفة لا تدل على أن كلامه تعالى كلام نفسي أصلا.
الوجه الثالث: لا شبهة في أن الله تعالى متكلم وقد دلت على ذلك عدة من الآيات، ولا زم ذلك قيام مبدأ المشتق وهو المتكلم بذاته تعالى قيام الصفة بالموصوف لا قيام الفعل بالفاعل وإلا لم يصح اطلاق المتكلم عليه، ومن هنا لا يصح اطلاق النائم والمائت والقائم والمتحرك والساكن والذائق وما شابه ذلك عليه تعالى مع أن مبادئ هذه الأوصاف قائمة بذاته قيام الفعل بالفاعل، وإن شئت قلت أن هذه الهيئات الاشتقاقية وأوصافها لا تصدق على من قام عليه المبدأ قيام الفعل بالفاعل وإنما تصدق على من قام عليه المبدأ قيام الصفة