الأول: أن التقابل بين الاطلاق والتقييد ليس من تقابل العدم والملكة، بل هو من تقابل التضاد، وعليه فاستحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق وبالعكس لا استحالته (1)، وسوف يأتي تفصيل ذلك في ضمن البحوث القادمة، ولكن هذا الاشكال مبنائي، هذا مضافا إلى أن المبنى غير صحيح، فإن الصحيح هو أن التقابل بينهما من تقابل الايجاب والسلب لا العدم والملكة ولا التضاد وستأتي الإشارة إليه.
الثاني: أن الاهمال في الأمر الأول غير معقول حتى تدعو الحاجة إلى رفعه بجعل الأمر الثاني المتمم للأمر الأول، وقد أفاد في وجه ذلك أن الشارع حيث إنه عالم بتمام خصوصيات الطبيعة المأمور بها من الخصوصيات الأولية والثانوية، فبطبيعة الحال إذا جعل الحكم لها، فلا محالة إما أن يكون مطلقا بالنسبة إلى تلك الخصوصيات والقيودات، سواء كانت من القيودات الأولية أو الثانوية أو مقيدا ببعضها دون بعضها الآخر ولا ثالث في البين، بداهة أنه لا يعقل أن يكون الجاعل مرددا في حكمه المجعول ولا يدري أنه جعله على الطبيعي أو الحصة الخاصة، مثلا إذا أمر المولى بالصلاة فلا محالة كان يعلم بتمام قيوداتها الأولية كالطهارة والستر والاستقبال وما شاكل ذلك، والثانوية كقصد امتثال الأمر وقصد الوجه ونحوهما، وحينئذ فالامر المجعول لها بطبيعة الحال لا يخلو إما أن يكون مجعولا لها مطلقا بالنسبة إلى جميع قيوداتها الأولية والثانوية أو مقيدا بها ولا ثالث في البين، فإذا استحال تقييدها بالقيودات الثانوية تعين اطلاقها بالنسبة إليها، ولا يعقل أن يكون مرددا في أن الحكم المجعول لها من قبله مطلق أو مقيد بأن يكون جاهلا بذلك، بداهة أن ذلك غير معقول من الجاعل العالم