بعت هذا الفرس مثلا بكذا، فقد أوجد فردا من تمليك عين بعوض في عالم الانشاء بنفس هذه الصيغة، وجملة أنكحت موضوعة لزوجية المرأة للرجل، فإذا استعمل العاقد هذه الجملة وقال أنكحت المرأة المعلومة من الرجل المعلوم فقد أوجد فردا من الزوجية والعلاقة بينهما في عالم الانشاء بنفس هذه الجملة، وصيغة الأمر موضوعة للنسبة الطلبية، فإذا صدرت من المولى بعنوان المولوية فقد أوجد فردا ومصداقا من تلك النسبة بها في عالم الطلب والبعث، ومعنى هذا ليس استعمال الجملة الانشائية في الفرد والمصداق، بل هي مستعملة في معناها الموضوع له فانيا في مصداق يوجد بنفس الجملة في عالم التصور واللحاظ. وهذا هو معنى إيجادية المعنى الانشائي، ومن ذلك يظهر أن الصحيح في تفسير الانشاء أن يقال، أنه إيجاد مصداق المعنى باللفظ أو ما يقوم مقامه في الوعاء المناسب له، باعتبار أن اللفظ لا يعقل أن يكون علة وسببا لوجود معناه في وعائه، بداهة أن المعنى لابد أن يكون ثابتا فيه لكي يكون اللفظ موضوعا بإزائه ودالا عليه، مثلا جملة بعت موضوعة لتمليك عين بعوض وتدل عليه فانيا في مصداقه الذي وجد بنفس الجملة تصورا وتصديقا، حيث أن شأن كل مفهوم هو الفناء في مصداقه والمرآة له في موطنه حتى في مرحلة التصور.
والخلاصة: أن الانشاء إيجاد مصداق المعنى باللفظ أو ما يقوم مقامه في عالم التصور دون ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أنه متمثل في ابراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، فان تفسيره بذلك بلا مبرر حتى على مسلكه (قدس سره) في باب الوضع، فان لازم هذا المسلك كون المدلول الوضعي مدلولا تصديقيا، وإما كونه قصد ابراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج فهو لا يقتضي ذلك. إذ كما يمكن أن يكون مدلولها ذلك يمكن أن يكون مدلولها إيجاد مصداق المعنى في عالم التصديق، بل الثاني هو المتفاهم العرفي من الجمل الانشائية بمعنى أن المتبادر منها