منهم (فانكحوهن بإذن أهلهن) أي بإذن المالكين لهن، لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشئ منها إلا بإذن من هي له. قوله (وآتوهن أجورهن بالمعروف) أي أدوا إليهن مهورهن بما هو بالمعروف في الشرع، وقد استدل بهذا من قال: إن الأمة أحق بمهرها من سيدها، وإليه ذهب مالك، وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد، وإنما أضافها إليهن، لأن التأدية إليهن تأدية إلى سيدهن لكونهن ماله. قوله (محصنات) أي عفائف. وقرأ الكسائي محصنات بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله (والمحصنات من النساء) وقرأ الباقون بالفتح في جميع القرآن. قوله (غير مسافحات) أي غير معلنات بالزنا. والأخدان: الأخلاء، والخدن والخدين المخادن: أي المصاحب - وقيل ذات الخدن: هي التي تزني سرا، فهو مقابل للمسافحة، وهي التي تجاهر بالزنا، وقيل المسافحة، المبذولة، وذات الخدن، التي تزني بواحد، وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنا ولا تعيب اتخاذ الأخدان، ثم رفع الإسلام جميع ذلك، قال الله - ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن -. قوله (فإذا أحصن) قرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة. وقرأ الباقون بضمها، والمراد بالإحصان هنا الإسلام. روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي وروى عن عمر بن الخطاب بإسناد منقطع وهو الذي نص عليه الشافعي، وبه قال الجمهور: وقال ابن عباس وأبو الدرداء ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم: إنه التزويج. وروى عن الشافعي فعلى القول الأول لا حد على الأمة الكافرة. وعلى القول الثاني لاحد على الأمة التي لم تتزوج. وقال القاسم وسالم:
إحصانها إسلامها وعفافها. وقال ابن جرير: إن معنى القراءتين مختلف، فمن قرأ أحصن بضم الهمزة فمعناه التزويج ومن قرأ بفتح الهمزة فمعناه الإسلام. وقال قوم: إن الإحصان المذكور في الآية هو التزوج، ولكن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا زنت قبل أن تتزوج بالسنة، وبه قال الزهري. قال ابن عبد البر: ظاهر قول الله عز وجل يقتضي أنه لا حد على الأمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن، وكان ذلك زيادة بيان. قال القرطبي: ظهر المسلم حمى لا يستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد. قال ابن كثير في تفسيره: والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان هنا التزويج، لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه (ومن لم يستطع منكم طولا) إلى قوله (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فالسياق كله في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله (فإذا أحصن) أي تزوجن كما فسره به ابن عباس ومن تبعه، قال: وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور، لأنهم يقولون إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسلمة أو كافرة مزوجة أو بكرا، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، ثم ذكر أن منهم من أجاب وهم الجمهور بتقديم منطوق الأحاديث على هذا المفهوم، ومنهم من عمل على مفهوم الآية، وقال: إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا. قال: وهو المحكي عن ابن عباس واليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد وداود الظاهري في رواية عنه، فهؤلاء قدموا مفهوم الآية على العموم، وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الصحيحين وغيرهما " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الأمة: إذا زنت ولم تحصن، قال: إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " بأن المراد بالجلد هنا التأديب وهو تعسف، وأيضا قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها. ثم إن زنت فليجلدها الحد " الحديث. ولمسلم من حديث علي