أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرأوا أن كل شئ عصى به فهو جهالة عمدا كان أو غيره. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة. وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي عن صالح عن ابن عباس في قوله (إنما التوبة على الله) الآية، قال: من عمل السوء فهو جاهل من جهالته عمل السوء (ثم يتوبون من قريب) قال: في الحياة والصحة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال: كل شئ قبل الموت فهو قريب له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: القريب:
ما لم يغرغر. وقد وردت أحاديث كثيرة في قبول توبة العبد ما لم يغرغر، ذكرها ابن كثير في تفسيره، ومنها الحديث الذي قدمنا ذكره.
هذا متصل بما تقدم من ذكر الزوجات والمقصود نفى الظلم عنهن، والخطاب للأولياء، ومعنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها، وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت. وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية: كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى يموت أو ترد إليه صداقها. وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه: فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها. وقد روى هذا السبب بألفاظ، فمعنى قوله (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) أي لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الإرث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسونهن لأنفسكم (ولا) يحل لكم أن (تعضلوهن) عن أن يتزوجن غيركم لتأخذوا ميراثهن إذا متن، أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح. قال الزهري وأبو مجلز: كان من عاداتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها، فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت، وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا، وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت أو تموت فيرثها، فنزلت الآية. وقيل الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعا في إرثهن، أو يفتدين ببعض مهورهن واختاره ابن عطية. قال: ودليل ذلك قوله (إلا أن يأتين بفاحشة)