نفسه وأن لا يقربها، ثم يمسك عنهما حتى تستبرئ المحرمة ثم يغشى الثانية. وفيه قول ثالث، وهو أنه لا يقرب واحدة منهما، هكذا قال الحكم وحماد. وروى معنى ذلك عن النخعي. وقال مالك: إذا كان عنده أختان بملك فله أن يطأ أيتها شاء، والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته، فإن أراد وطء الأخرى فليزمه ان يحرم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله من إخراج عن الملك أو تزويج أو بيع أو عتق أو كتابة أو إخدام طويل، فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرم الأولى وقف عنهما ولم يجز له قرب إحداهما حتى يحرم الأخرى ولم يوكل ذلك إلى أمانته لأنه متهم. قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي عدة المطلقة. واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها، فقالت طائفة:
ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق. روى ذلك عن علي وزيد بن ثابت ومجاهد وعطاء والنخعي والثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي. وقالت طائفة: له أن ينكح أختها وينكح الرابعة لمن كان تحته أربع وطلق واحدة منهن طلاقا بائنا. روى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد. قال ابن المنذر: ولا أحسبه إلا قول مالك. وهو أيضا إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت وعطاء. قوله (إلا ما قد سلف) يحتمل أن يكون معناه معنى ما تقدم من قوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) ويحتمل معنى آخر، وهو جواز ما سلف وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا، وإذا جرى في الإسلام خير بين الأختين. والصواب الاحتمال الأول. قوله (والمحصنات من النساء) عطف على المحرمات المذكورات. وأصل التحصين التمنع، ومنه قوله تعالى - لتحصنكم من بأسكم - أي لتمنعكم، ومنه الحصان بكسر الحاء للفرس لأنه يمنع صاحبه من الهلاك. والحصان بفتح الحاء:
المرأة العفيفة لمنعها نفسها، ومنه قول حسان:
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثي من لحوم الغوافل والمصدر الحصانة بفتح الحاء. والمراد بالمحصنات هنا ذوات الأزواج. وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان، هذا أحدها. والثاني يراد به الحرة، ومنه قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات) وقوله - والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أو الكتاب من قبلكم -. والثالث يراد به العفيفة ومنه قوله تعالى (محصنات غير مسافحات)، (محصنين غير مسافحين). والرابع المسلمة، ومنه قوله تعالى (فإذا أحصن).
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية، أعني قوله (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قلابة ومكحول والزهري: المراد بالمحصنات هنا: المسببات ذوات الأزواج خاصة، أي هن محرمات عليكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعي: أي أن السباء يقطع العصمة، وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور. واختلفوا في استبرائها بماذا يكون؟ كما هو مدون في كتب الفروع. وقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية العفائف، وبه قال أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد ابن جبير وعطاء، ورواه عبيدة عن عمر. ومعنى الآية عندهم: كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم: أي تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء. وحكى ابن جرير الطبري: أن رجلا قال لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال: كان ابن عباس لا يعلمها. وروى ابن جرير أيضا عن مجاهد أنه قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل انتهى. ومعنى الآية والله أعلم واضح لا سترة به: أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء: أي المزوجات أعم من أن يكن مسلمات أو كافرات إلا