في الدلائل عن عمر مثله. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال: كان أهل الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه. وأخرج أيضا عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه أيضا وزاد في قوله - فمن جاءه موعظة من ربه) قال: يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا فانتهى عنه (فله ما سلف) يعني فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم (وأمره إلى الله) يعني بعد التحريم وبعد تركه إن شاء عصمه منه وإن شاء لم يفعل (ومن عاد) يعني في الربا بعد التحريم فاستحله بقولهم (إنما البيع مثل الربا - فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) يعني لا يموتون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله (يمحق الله الربا) قال: ينقص الربا (ويربي الصدقات) قال: يزيد فيها، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا " من نصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ".
وأخرج البزار وابن جرير وابن حبان والطبراني من حديث عائشة نحوه. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر مرفوعا نحوه أيضا. وفي حديث عائشة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بعد أن ساق الحديث (يمحق الله الربا ويربي الصدقات). وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله حتى تكون مثل أحد " وهذه الأحاديث تبين معنى الآية.
قوله (اتقوا الله) أي قوا أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا، وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضا. قوله (إن كنتم مؤمنين) قيل هو شرط مجازي على جهة المبالغة، وقيل إن " إن " في هذه الآية بمعنى إذ. قال ابن عطية: وهو مردود لا يعرف في اللغة، والظاهر أن المعنى: إن كنتم مؤمنين على الحقيقة فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه. قوله (فإن لم تفعلوا) يعني ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) أي فاعلموا بها، من أذن بالشيء إذا علم به، قيل هو من الإذن بالشيء وهو الاستماع لأنه من طرق العلم. وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة " فأذنوا " على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم.
وقد دلت هذه على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر، ولا خلاف في ذلك، وتنكير الحرب للتعظيم، وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته. قوله (فإن تبتم) أي من الربا (فلكم رؤوس أموالكم) تأخذونها (لا تظلمون) غرمائكم بأخذ الزيادة (ولا تظلمون) أنتم من قبلهم بالمطل والنقص، والجملة حالية أو استئنافية. وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم.