هذه القراءة، وعلى قراءة الجمهور هو منصوب بالعطف على تضل، ومن رفعه فعلى الاستئناف. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " فتذكر " بتخفيف الذال والكاف، ومعناه: تزيدها ذكرا. وقراءة الجماعة بالتشديد: أي تنبيهها إذا غفلت ونسيت، وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء: أي فليشهد رجل وتشهد امرأتان عوضا عن الرجل الآخر لأجل تذكير إحداهما للأخرى إذا ضلت، وعلى هذا فيكون في الكلام حذف وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضا عن الرجل الواحد، فقيل وجهه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، والعلة في الحقيقة هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته، وأبهم الفاعل في تضل وتذكر، لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان، فالمعنى: إن ضلت هذه ذكرتها هذه، وإن ضلت هذه ذكرتها هذه لا على التعيين:
أي إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها المرأة الأخرى، وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال. وقد يكون الوجه في الإبهام أن ذلك يعني الضلال والتذكير يقع بينهما متناوبا حتى ربما ضلت هذه عن وجه وضلت تلك عن وجه آخر، فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها. وقال سفيان بن عيينة: معنى قوله (فتذكر إحداهما الأخرى) تصيرها ذكرا، يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد. وروى نحوه عن أبي عمرو بن العلاء، ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع ولا لغة ولا عقل. قوله (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) أي لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل، وقيل إذا ما دعوا لتحمل الشهادة، وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم، وحملها الحسن على المعنيين. وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام. قوله (ولا تسأموا أن تكتبوه) معنى تسأموا: تملوا. قال الأخفش: يقال سئمت أسأم سآمة وسئاما، فقال ومنه قول الشاعر:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش * ثمانين حولا لا أبا لك يسأم أي لا تملوا أن تكتبوه: أي الدين الذي تداينتم به، وقيل الحق، وقيل الشاهد، وقيل الكتاب، نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملوا من كثرة المداينة أن يكتبوا، ثم بالغ في ذلك فقال (صغيرا أو كبيرا) أي حال كون ذلك المكتوب صغيرا أو كبيرا: أي لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيرا أو قليلا، وقيل إنه كنى بالسآمة عن الكسل. والأول أولى. وقدم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال إن هذا مال صغير: أي قليل لا احتياج إلى كتبه، والإشارة في قوله (ذلكم) إلى المكتوب المذكور في ضمير قوله (أن تكتبوه) (وأقسط) معناه أعدل: أي أصح وأحفظ (وأقوم للشهادة) أي أعون على إقامة الشهادة وأثبت لها وهو مبني من أقام، وكذلك أقسط مبني من فعله: أي أقسط. وقد صرح سيبويه بأنه قياسي: أي بني أفعل التفضيل.
ومعنى قوله (وأدنى أن لا ترتابوا) أقرب لنفي الريب في معاملاتكم: أي الشك، ولذلك أن الكتاب الذي يكتبونه يدفع ما يعرض لهم من الريب كائنا ما كان. قوله (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) أن في موضع نصب على الاستثناء قاله الأخفش، وكان تامة: أي إلا أن تقع أو توجد تجارة، والاستثناء منقطع: أي لكن وقت تبايعكم وتجارتكم حاضرة بحضور البدلين (تديرونها بينكم) تتعاطونها يدا بيد، فالإدارة: التعاطي والتقابض، فالمرد التبايع الناجز يدا بيد فلا حرج عليكم إن تركتم كتابته. وقرئ بنصب تجارة على أن كان ناقصة: أي إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. قوله (وأشهدوا إذا تبايعتم) قيل معناه: وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع المذكور هذا وهو التجارة الحاضرة على أن الاشهاد فيها يكفي، وقيل معناه: إذا تبايعتم أي تبايع كان حضارا أو كالئا، لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف وأقطع لمنشأ الشجار. وقد تقدم قريبا ذكر الخلاف في كون هذا الإشهاد واجبا أو مندوبا. قوله (ولا يضار كاتب ولا شهيد) يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول، فعلى الأول معناه: