تعالى - يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا - والآية الأولى عامة لكل مطلقة، والثانية في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كن مفروضا لهن مدخولا بهن. وقال سعيد بن المسيب: إنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس وإن كانت مفروضا لها لقوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن - قال: هذه الآية التي في الأحزاب نسخت التي في البقرة. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصة بالمطلقة قبل البناء والتسمية، لأن المدخول بها تستحق جميع المسمى أو مهر المثل، وغير المدخولة التي قد فرض لها زوجها فريضة: أي سمى لها مهرا وطلقها قبل الدخول تستحق نصف المسمى، ومن القائلين بهذا ابن عمر ومجاهد. وقد وقع الإجماع على أن المطلقة قبل الدخول والفرض لا تستحق إلا المتعة إذا كانت حرة. وأما إذا كانت أمة فذهب الجمهور إلى أن لها المتعة، وقال الأوزاعي والثوري: لا متعة لها لأنها تكون لسيدها، وهو لا يستحق مالا في مقابل تأذى مملوكته، لأن الله سبحانه إنما شرع المتعة للمطلقة قبل الدخول والفرض، لكونها تتأذى بالطلاق قبل ذلك.
وقد اختلفوا في المتعة المشروعة هل هي مقدرة بقدر أم لا؟ فقال مالك والشافعي في الجديد: لا حد لها معروف بل ما يقع عليه اسم المتعة. وقال أبو حنيفة: إنه إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف مهر مثلها، ولا ينقص من خمسة دراهم، لأن أقل المهر عشرة دراهم. وللسلف فيها أقوال سيأتي ذكرها إن شاء الله. وقوله (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) يدل على أن الاعتبار في ذلك بحال الزوج، فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير.
وقرأ الجمهور على الموسع بسكون الواو وكسر السين، وهو الذي اتسعت حاله. وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وتشديد السين وفتحها. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر قدره بسكون الدال فيهما. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتح الدال فيهما. قال الأخفش وغيره: هما لغتان فصيحتان، وهكذا يقرأ في قوله تعالى - فسالت أودية بقدرها -. وقوله - وما قدروا الله حق قدره - والمقتر المقل، ومتاعا مصدر مؤكد لقوله (ومتعوهن) والمعروف ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له. وقوله (حقا) وصف لقوله (متاعا) أو مصدر لفعل محذوف: أي حق ذلك حقا، يقال: حققت عليه القضاء وأحققت: أي أوجبت. قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) الآية، فيه دليل على أن المتعة لا تجب لهذه المطلقة لوقوعها في مقابلة المطلقة قبل البناء والفرض التي تستحق المتعة. وقوله (فنصف ما فرضتم) أي فالواجب عليكم نصف ما سميتم لهن من المهر وهذا مجمع عليه. وقرأ الجمهور (فنصف) بالرفع. وقرأ من عدا الجمهور بالنصب: أي فادفعوا نصف ما فرضتم وقرئ أيضا بضم النون وكسرها وهما لغتان. وقد وقع الاتفاق أيضا على أن المرأة التي لم يدخل بها زوجها ومات وقد فرض لها مهرا تستحقه كاملا بالموت، ولها الميراث وعليها العدة. واختلفوا في الخلوة هل تقوم مقام الدخول وتستحق المرأة بها كمال المهر كما تستحقه بالدخول أم لا؟ فذهب إلى الأول مالك والشافعي في القديم والكوفيون والخلفاء الراشدون وجمهور أهل العلم، وتجب عندهم أيضا العدة. وقال الشافعي في الجديد: لا يجب إلا نصف المهر، وهو ظاهر الآية لما تقدم من أن المسيس هو الجماع ولا تجب عند العدة، وإليه ذهب جماعة من السلف قوله (إلا أن يعفون) أي المطلقات، ومعناه: يتركن ويصفحن، ووزنه يفعلن، وهو استثناء مفرغ من أعم العام، وقيل منقطع، ومعناه: يتركن النصف الذي يجب لهن على الأزواج، ولم تسقط النون مع إن، لأن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم لكون النون ضميرا وليست بعلامة إعراب كما في المذكر في قولك: الرجال يعفون، وهذا عليه جمهور المفسرين. وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه قال