وعشرا هو ما قدمنا من معرفة خلوها من الحمل، ولا يعرف إلا بتلك المدة، ولا فرق بين الحرة والأمة في مثل ذلك، بخلاف كون عدتها في غير الوفاة حيضتين، فإن ذلك يعرف به خلو الرحم، ويؤيد عدم الفرق ما سيأتي في عدة أم الولد. واختلف أهل العلم في عدة أم الولد لموت سيدها. فقال سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وإسحاق وابن راهويه وأحمد بن حنبل في رواية عنه: أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر لحديث عمرو بن العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم " عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ". أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه، وضعفه أحمد وأبو عبيد. وقال الدارقطني: الصواب أنه موقوف. وقال طاوس وقتادة: عدتها شهران وخمس ليال. وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح: تعتد بثلاث حيض، وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي. وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: عدتها حيضة وغير الحائض شهر، وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور والجمهور. قوله (فإذا بلغن أجلهن) المراد بالبلوغ هنا: انقضاء العدة (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) من التزين والتعرض للخطاب (بالمعروف) الذي لا يخالف شرعا ولا عادة مستحسنة. وقد استدل بذلك على وجوب الإحداد على المعتدة عدة الوفاة. وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين وغيرهما النهي عن الكحل لمن هي في عدة الوفاة، والإحداد: ترك الزينة من الطيب، ولبس الثياب الجيدة والحلي وغير ذلك، ولا خلاف في وجوب ذلك في عدة الوفاة، ولا خلاف في عدم وجوبه في عدة الرجعية، واختلفوا في عدة البائنة على قولين، ومحل ذلك كتب الفروع.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (والذين يتوفون منكم) قال:
كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله. ثم أنزل الله (والذين يتوفون منكم الآية) فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا، فعدتها أن تضع ما في بطنها. وقال في ميراثها - ولهن الربع مما تركتم - فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم) يقول: إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج، فذلك المعروف. وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية قال: ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر، لأن في العشر ينفخ فيه الروح. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله (فإذا بلغن أجلهن) يقول إذا انقضت عدتها، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله (فلا جناح عليكم) يعني أولياءها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطب والزينة وأخرج مالك وعبد الرزاق وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأل أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني أو أمر بي فدعيت، فقال: كيف قلت؟ قالت: