يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم * وأكرم الناس أما برة وأبا ووسط فلان القوم يسطهم: أي صار في وسطهم: وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر بعد دخولها في عموم الصلوات تشريفا لها. وقرأ أبو جعفر (والصلاة الوسطى) بالنصب على الإغراء، وكذلك قرأ الحلواني، وقرأ قالون عن نافع الوصطى بالصاد لمجاورة الطاء وهما لغتان: كالسراط والصراط. وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قولا أوردتها في شرحي للمنتقي، وذكرت ما تمسكت به كل طائفة، وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر، لما ثبت عند البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم من حديث على قال: كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الأحزاب " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا ". وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعا مثله. وأخرجه أيضا ابن جرير وابن المنذر والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا. وأخرجه البزار بإسناد صحيح من حديث جابر مرفوعا وأخرجه أيضا البزار بإسناد صحيح من حديث حذيفة مرفوعا. وأخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث أم سلمة مرفوعا. وورد في تعيين أنها العصر من غير ذكر يوم الأحزاب أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: منها عن ابن عمر عند ابن منده، ومنها عن سمرة عند أحمد وابن جرير والطبراني، ومنها عنه أيضا عند ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن جرير والطبراني والبيهقي، وعن أبي هريرة عند ابن جرير والبيهقي والطحاوي. وأخرجه عنه أيضا ابن سعيد والبزار وابن جرير والطبراني، وعن ابن عباس عند البزار بأسانيد صحيحة، وعن أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني، فهذه أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصرحة بأنها العصر. وقد روى عنه الصحابة في تعيين أنها العصر آثار كبيرة، وفي الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يحتاج معه إلى غيره. وأما ما روى عن علي وابن عباس أنهما قالا: إنها صلاة الصبح كما أخرجه مالك في الموطأ عنهما، وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس، وكذلك أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر، وكذلك أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر، وكذلك أخرجه ابن جرير عن جابر، وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة، وكل ذلك من أقوالهم وليس فيها شئ من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا تقوم بمثل ذلك حجة لا سيما إذا عارض ما قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم ثبوتا يمكن أن يدعى فيه التواتر، وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين وتابعهم الأولى، وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال: صلاة الوسطى المغرب، وهكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة: أنها الظهر أو غيرها من الصلوات، ولكن المحتاج إلى إمعان نظر وفكر ما ورد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما فيه دلالة على أنها الظهر، كما أخرجه ابن جرير عن زيد بن ثابت مرفوعا: " إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ". ولا يصح رفعه بل المروى عن زيد بن ثابت ذلك من قوله، واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى بالهاجرة، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه، وأين يقع هذا الاستدلال من تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا الاعتبار بما روى عن ابن عمر من قوله إنها الظهر. وكذلك ما روى عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم، فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأما ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وغيرهما أن حفصة قالت لأبي رافع مولاها وقد أمرته أن يكتب لها مصحفا: إذا أتيت على هذه الآية (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فتعال حتى أمليها عليك، فلما بلغ ذلك أمرته أن يكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة
(٢٥٦)