المراد بالجناح هنا التبعة من المهر ونحوه، فرفعه رفع لذلك: أي لا تبعة عليكم بالمهر ونحوه إن طلقتم النساء على الصفة المذكورة، و " ما " في قوله (ما لم تمسوهن) هي مصدرية ظرفية بتقدير المضاف: أي مدة عدم مسيسكم.
ونقل أبو البقاء أنها شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيدا للأول كما في قولك: إن تأتني إن تحسن إلي أكرمك: أي إن تأتني محسنا إلي، والمعنى: إن طلقتموهن غير ماسين لهن. وقيل إنها موصولة: أي إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن، وهكذا اختلفوا في قوله (أو تفرضوا) فقيل أو بمعنى إلا: أي إلا أن تفرضوا، وقيل بمعنى حتى: أي حتى تفرضوا، وقيل بمعنى الواو: أي وتفرضوا. ولست أرى لهذا التطويل وجها، ومعنى الآية أوضح من أن يلتبس، فإن الله سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين: أي مدة انتفاء ذلك الأحد، ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بانتفاء الأمرين معا، فإن وجد المسيس وجب المسمى أو مهر المثل، وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس، وكل واحد منها جناح: أي المسمى أو نصفه أو مهر المثل. واعلم أن المطلقات أربع: مطلقة مدخول بها مفروض لها، وهي التي تقدم ذكرها قبل هذه الآية، وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهن شيئا، وأن عدتهن ثلاثة قروء. ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها، وهي المذكورة هنا فلا مهر لها، بل المتعة، وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها.
ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها، وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة)، ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها، وهي المذكورة في قوله تعالى " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " والمراد بقوله (ما لم تمسوهن) ما لم تجامعوهن، وقرأ ابن مسعود " من قبل أن تجامعوهن " أخرجه عنه ابن جرير، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم " ما لم تمسوهن " وقرأه حمزة والكسائي " تماسوهن " من المفاعلة، والمراد بالفريضة هنا تسمية المهر. قوله (ومتعوهن) أي أعطوهن شيئا يكون متاعا عن، وظاهر الأمر الوجوب، وبه قال: علي وابن عمر والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك ومن أدلة الوجوب قوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا - وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم: إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى (حقا على المحسنين) ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين، ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي الوجوب بل هو تأكيد له كما في قوله في الآية الأخرى (حقا على المتقين) أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى، وكل مسلم يجب عليه أن يتقي الله سبحانه، وقد وقع الخلاف أيضا هل المتعة مشروعة لغير هذه المطلقة قبل المسيس والفرض أم ليست بمشروعة إلا لها فقط؟
فقيل إنها مشروعة لكل مطلقة، وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق، ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم مندوبة فقط، واستدلوا بقوله تعالى - وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين - وبقوله