(إلا أن يعفون) يعني الرجال وهو ضعيف لفظا. ومعنى قوله (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) معطوف على محل قوله " إلا أن يعفون " لأن الأول مبني وهذا معرب، قيل هو الزوج، وبه قال جبير بن مطعم وسعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعكرمة ونافع وابن سيرين والضحاك ومحمد بن كعب القرظي وجابر بن زيد وأبو مجلز والربيع بن أنس وإياس بن معاوية ومكحول ومقاتل بن حيان وهو الجديد من قولي الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن شبرمة والأوزاعي ورجحه ابن جرير. وفي هذا القول قوة وضعف، أما قوته فلكون الذي بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج، لأنه هو الذي إليه رفعه بالطلاق، وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول، وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر. لأن العفو لا يطلق على الزيادة. وقيل المراد بقوله يعفو (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) هو الولي، وبه قال النخعي وعلقمة والحسن وطاوس وعطاء وأبو الزناد وزيد بن أسلم وربيعة والزهري والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في قوله القديم، وفيه قوة وضعف، أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا، وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد الزوج لا بيده ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولي أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه. وقد حكى القرطبي الإجماع على أن الولي لا يملك شيئا من مالها، والمهر مالها. فالراجح ما قاله الأولون لوجهين: الأول أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح حقيقة. الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن المالك مطلق التصرف بخلاف الولي، وتسمية الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر، لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد كان العفو معقولا، لأنه تركه لها ولم يسترجع النصف منه، ولا يحتاج في هذا إلى أن يقال إنه من باب المشاكلة كما في الكشاف، لأنه عفو حقيقي: أي ترك لما يستحق المطالبة به، إلا أن يقال إنه مشاكلة، أو يطيب في توفية المهر قبل أن يسوقه الزوج. قوله (وأن تعفوا أقرب للتقوى) قيل هو خطاب للرجال والنساء تغليبا، وقرأه الجمهور بالتاء الفوقية، وقرأ أبو نهيك والشعبي بالياء التحتية، فيكون الخطاب مع الرجال، وفي هذا دليل على ما رجحناه من أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، لأن عفو الولي عن شئ لا يملكه ليس هو أقرب إلى التقوى، بل أقرب إلى الظلم والجور. قوله (ولا تنسوا الفضل بينكم) قرأه الجمهور بضم الواو، وقرأ يحيى بن يعمر بكسرها وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة " ولا تناسوا " والمعنى: أن الزوجين لا ينسيان التفضل من كل واحد منهما على الآخر، ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف ويتفضل الرجل عليها بإكمال المهر، وهو إرشاد للرحال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي على بعضهم بعضا، والمسامحة فيما يستغرقه أحدهما على الآخر للوصلة التي وقعت سهما من إفضاء البعض إلى البعض، وهي وصلة لا يشبهها وصلة، فمن رعاية حقها ومعرفتها حتى معرفتها الحرص منهما على التسامح. وقوله (إن الله بما تعملون بصير) فيه من ترغيب المحسن وترهيب غيره ما لا يخفى.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) قال: المس: النكاح، والفريضة: الصداق (متعوهن) قال: هو على الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فأمره الله أن يمتعها على قدر عسره ويسره، فإن كان موسرا متعها بخادم، وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال: متعة الطلاق: أعلاها الخادم ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما. وروى القرطبي في تفسيره عن الحسن بن علي أنه