بهما) فما أرى على أحد جناحا أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل الله (إن الصفا والمروة من شعائر الله) الآية، قالت عائشة: ثم قد بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما. وأخرج مسلم وغيره عنها أنها قالت: لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته، لأن الله قال (إن الصفا والمروة من شعائر الله). وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال " إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ". وأخرج أحمد في مسنده والشافعي وابن سعد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي تجرأة قالت: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي " وهو في مسند أحمد من طريق شيخه عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عنها، ورواه من طريق أخرى عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها فذكرته. ويؤيد ذلك حديث " خذوا عني مناسككم " اه.
قوله (إن الذين يكتمون) إلى آخر الآية، فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون - واختلفوا من المراد بذلك؟
فقيل أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل كل من كتم الحق وترك بيان ما أوجب الله بيانه، وهو الراجح لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول، فعلى فرض أن سبب النزول ما وقع من اليهود والنصارى من الكتم فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية كل من كتم الحق.
وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره، فإن من لعنه الله ولعنه كل من يتأتى منه اللعن من عباده قد بلغ من الشقاوة والخسران إلى الغاية التي لا تلحق ولا يدرك كنهها. وفي قوله (من البينات والهدى) دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك كما قال أبو هريرة: " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين: أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم " أخرجه البخاري. والضمير في قوله (من بعد ما بيناه) راجع إلى ما أنزلنا.
والكتاب اسم جنس، وتعريفه يفيد شموله لجميع الكتب، وقيل المراد به التوراة. واللعن: الإبعاد والطرد.
والمراد بقوله (اللاعنون) الملائكة والمؤمنون قاله الزجاج وغيره، ورجحه ابن عطية، وقيل كل من يتأتى منه