أن السادة والرؤساء تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر. وقوله (ورأوا العذاب) في محل نصب على الحال: يعني التابعين والمتبوعين، قيل عند المعاينة في الدنيا، وقيل عند العرض والمساءلة في الآخرة. ويمكن أن يقال فيهما جميعا إذ لا مانع من ذلك. قوله (وتقطعت بهم الأسباب) هي جمع سبب، وأصله في اللغة: الحبل الذي يشد به الشئ ويجذب به، ثم جعل كل ما جر شيئا سببا، والمراد بها: الوصل التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من الرحم وغيره، وقيل هي الأعمال. والكرة: الرجعة والعودة إلى حال قد كانت، ولو هنا في معنى التمني كأنه قيل: ليت لنا كرة، ولهذا وقعت الفاء في الجواب. والمعنى: أن الأتباع قالوا: لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم كما تبرءوا منا. والكاف في قوله (كما تبرءوا منا) في محل نصب على النعت لمصدر محذوف، وقيل في محل نصب على الحال، ولا أراه صحيحا. وقوله (كذلك يريهم الله) في موضع رفع: أي الأمر كذلك:
أي كما أراهم الله العذاب يريهم أعمالهم، وهذه الرؤية إن كانت البصرية فقوله (حسرات) منتصب على الحال، وإن كانت القلبية فهو المفعول الثالث، والمعنى: أن أعمالهم الفاسدة يريهم الله إياها فتكون عليهم حسرات، أو يريهم الأعمال الصالحة التي أوجبها عليهم فتركوها فيكون ذلك حسرة عليهم. وقوله (وما هم بخارجين من النار) فيه دليل على خلود الكفار في النار، وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص، وجعله الزمخشري للتقوية لغرض له يرجع إلى المذهب، والبحث في هذا يطول.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا) قال:
مباهاة ومضاررة للحق بالأنداد (والذين آمنوا أشد حبا لله) قال: من الكفار لآلهتهم. وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في هذه الآية قال: هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله (والذين آمنوا أشد حبا لله) من حبهم لآلهتهم. وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحو ما قال ابن زيد.
وأخرج ابن جرير عن الزبيري في قوله (ولو ترى الذين ظلموا) قال: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم، لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد، والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم، وأيقنتهم أني شديد عذابي لمن كفر بي وادعى معي إلها غيري. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (إذ تبرأ الذين اتبعوا) قال: هم الجبابرة والقادة والرءوس في الشرك (من الذين اتبعوا) قال: هم الشياطين تبرءوا من الإنس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (فتقطعت بهم الأسباب) قال: المودة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: هي المنازل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال:
هي الأرحام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: هي الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة. وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: هي الأعمال. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع قال: هي المنازل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (لو أن لنا كرة) قال:
رجعة إلى الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (حسرات) قال: صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله (وما هم بخارجين من النار) قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت (وما هم بخارجين من النار).