اللعن فيدخل في ذلك الجن، وقيل هم الحشرات والبهائم. وقوله (إلا الذين تابوا) إلخ، فيه استثناء التائبين والمصلحين لما فسد من أعمالهم، والمبينين للناس ما بينه الله في كتبه وعلى ألسن رسله. قوله (وماتوا وهم كفار) هذه الجملة حالية، وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين، لأن حاله عند الوفاة لا يعلم، ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من لعنه لقوم من الكفار بأعيانهم، لأنه يعلم بالوحي مالا نعلم، وقيل يجوز لعنه عملا بظاهر الحال كما يجوز قتاله. قوله (أولئك عليهم لعنة الله) الخ، استدل به على جواز لعن الكفار على العموم. قال القرطبي: ولا خلاف في ذلك. قال: وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر، بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره سواء كان الكافر عاقلا أو مجنونا. وقال قوم من السلف: لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر. قال: ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله والملائكة والناس بلعنهم لا على الأمر به. قال ابن العربي: إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق، لما روى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بشارب خمر مرارا، فقال بعض من حضر: لعنه الله ما أكثر ما يشربه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم " والحديث في الصحيحين. وقوله (والناس أجمعين) قيل هذا يوم القيامة، وأما في الدنيا ففي الناس المسلم والكافر، ومن يعلم بالعاصي ومعصيته ومن لا يعلم، فلا يتأتى اللعن له من جميع الناس، وقيل في الدنيا، والمراد أنه يلعنه غالب الناس أو كل من علم بمعصيته منهم. وقوله (خالدين فيها) أي في النار، وقيل في اللعنة. والإنظار: الإمهال، وقيل معنى لا ينظرون:
لا ينظر الله إليهم فهو من النظر، وقيل هو من الانتظار: أي لا ينتظرون ليعتذروا، وقد تقدم تفسير (الرحمن الرحيم). وقوله (وإلهكم إله واحد) فيه الإرشاد إلى التوحيد وقطع علائق الشرك، والإشارة إلى أن أول ما يجب بيانه ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجه بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم، فأنزل الله فيهم (إن الذين يكتمون ما أنزلنا) الآية.
وقد روى عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم وآله. وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال: كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كل دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) يعني دواب الأرض. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: الجن والإنس وكل دابة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال: إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم.
وأخرج عنه عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية: إن دواب الأرض والعقارب والخنافس يقولون: إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال: يلعنهم كل شئ حتى الخنفساء. وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (إلا الذين تابوا وأصلحوا) قال: أصلحوا ما بينهم وبين الله، وبينوا الذين جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (أتوب عليهم) يعني أتجاوز عنهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن