أبي العالية قال: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون. وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن قتادة قال: يعني بالناس أجمعين المؤمنين. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (خالدين فيها) يقول: خالدين في جهنم في اللعنة. وقال في قوله (ولا هم ينظرون) يقول: لا ينظرون فيعتذرون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولا هم ينظرون) قال: لا يؤخرون. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " اسم سنة الله الأعظم في هاتين الآيتين - وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم - والم الله لا إله إلا هو الحي القيوم - ". وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليس شئ أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة (وإلهكم إله واحد) الآيتين ".
لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله (وإلهكم إله واحد) عقب ذلك بالدليل الدال عليه، وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم، مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشئ منها، أو يقتدر عليه أو على بعضه، وهي خلق السماوات، وخلق الأرض، وتعاقب الليل والنهار، وجرى الفلك في البحر، وإنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض به، وبث الدواب منها بسببه، وتصريف الرياح، فإن من أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له، وضاق ذهنه عن تصور حقيقته. وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه، وإنما جمع السماوات لأنها أجناس مختلفة، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى، ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب. والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر، وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر. والنهار: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقال النضر بن شميل: أول النهار طلوع الشمس، ولا يعد ما قبل ذلك من النهار. وكذا قال ثعلب، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت:
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتورد وكذا قال الزجاج. وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام: قسما جعله ليلا محضا، وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقسما جعله نهارا محضا، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها. وقسما جعله مشتركا بين النهار والليل، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادئ ضوء النهار. هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة. وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف. والفلك: السفن، وإفراده وجمعه بلفظ واحد، وهو هذا ويذكر ويؤنث. قال الله تعالى - في الفلك المشحون - والفلك التي تجري في البحر - وقال - حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم - وقيل واحده فلك بالتحريك، مثل أسد وأسد. وقوله (بما ينفع الناس) يحتمل أن تكون ما موصولة