ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) قال: اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة (فما أصبرهم على النار) قال: ما أجرأهم على عمل النار. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله (فما أصبرهم على النار) قال: ما أعملهم بأعمال أهل النار. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر في قوله (فما أصبرهم على النار) قال: والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول ما أجرأهم على النار. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير أيضا عن السدي في الآية قال: هذا على وجه الاستفهام يقول. ما الذي أصبرهم على النار؟ وقوله (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) قال: هم اليهود والنصارى (لفي شقاق بعيد) قال: في عداوة بعيدة.
قوله (ليس البر) قرأ حمزة وحفص بالنصب على أنه خبر ليس والاسم (أم تولوا) وقرأ الباقون بالرفع على أنه الاسم قيل إن هذه الآية نزلت للرد على اليهود والنصارى، لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة، وقيل إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل، وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله (قبل المشرق والمغرب) قيل أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود، لأنهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك. وقوله (ولكن البر) هو اسم جامع للخير، وخبره محذوف تقديره بر من آمن. قاله الفراء وقطرب والزجاج، وقيل إن التقدير: ولكن ذو البر من آمن، ووجه هذا التقدير: الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى، ويجوز أن يكون البر بمعنى البار، وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيرا، ومنه في التنزيل - إن أصبح ماؤكم غورا - أي غائرا وهذا اختيار أبي عبيدة. والمراد بالكتاب هنا الجنس أو القرآن، والضمير في قوله (على حبه) راجع إلى المال، وقيل راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله (وآتى المال) وقيل إنه راجع إلى الله سبحانه:
أي على حب الله، والمعنى على الأول: أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به، ومنه قوله تعالى - لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون - والمعنى على الثاني أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه، والمعنى على الثالث: أنه أعطى من تضمنته الآية في حب الله عز وجل لا لغرض آخر، وهو مثل قوله - الطعام على حبه ومثله قوله زهير إن الكريم على علاته هرم. وقدم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء، وهكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى، لعدم قدرتهم على الكسب. والمسكين: الساكن إلي ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئا. (وابن السبيل) المسافر المنقطع وجعل ابنا للسبيل لملازمته له. وقوله