في تعيينها، فهو أولا أقوال الصحابة لا تقوم بها الحجة فضلا عن أقوال من بعدهم، وعلى تقدير أنه لا مجال للاجتهاد في ذلك، وأن له حكم الرفع فقد اختلفوا في التعيين اختلافا يمتنع معه العمل ببعض ما روى عنهم دون البعض الآخر بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدمنا عن ابن عباس، فكيف يجوز العمل بذلك - وبهذا تعرف ضعف قول من قال: إنه يصار إلى العموم ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر هنا، فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجة. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس (قال إني جاعلك للناس إماما) يقتدى بدينك وهديك وسنتك (قال ومن ذريتي) إماما لغير ذريتي (قال لا ينال عهدي الظالمين) أن يقتدي بدينهم وهديهم وسنتهم. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه قال: قال الله لإبراهيم (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) فأبى أن يفعل، ثم قال (لا ينال عهدي الظالمين). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالما، فأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم، فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: يخبره أنه إن كان في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قال: ليس لظالم عليك عهد في معصية الله. وقد أخرج وكيع وابن مردويه من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (لا ينال عهدي الظالمين) قال: لا طاعة إلا في المعروف، وإسناده عند ابن مردويه هكذا: قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد، حدثنا أحمد بن عبد الله ابن سعد الأسدي، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني، حدثنا وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكره. وأخرج عبد بن حميد من حديث عمران بن حصين سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية: ليس للظالم عهد وإن عاهدته فانقضه. قال ابن كثير: وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل وابن حبان نحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (مثابة للناس وأمنا) قال:
يثوبون إليه ثم يرجعون. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وأمنا) قال: أمنا للناس. وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس عن عمر بن الخطاب قال: وافقت ربي في ثلاث ووافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب - واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساؤه في الغيرة.
فقلت لهن - عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن - فنزلت كذلك. وأخرجه مسلم وغيره مختصرا من حديث ابن عمر عنه. وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ (واتخذ من مقام إبراهيم مصلى) ".
وفي مقام إبراهيم عليه السلام أحاديث كثيرة مستوفاة في الأمهات وغيرها، والأحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار، أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه، كما في البخاري من حديث ابن عباس، وهو الذي كان ملصقا بجدار الكعبة. وأول من نقله عمر بن الخطاب كما