ورده إليه، وقرأ هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن ابن جريج: أن هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة لما قبض منه صلى الله عليه وآله وسلم مفتاح الكعبة فدعاه ودفعه إليه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة عن علي قال: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا. وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك " وقد ثبت في الصحيح أن من خان إذا أؤتمن ففيه خصلة من خصال النفاق.
لما أمر سبحانه القضاة والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق، أمر الناس بطاعتهم ها هنا، وطاعة الله عز وجل هي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هي فيما أمر به ونهى عنه. وأولي الأمر: هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال جابر بن عبد الله ومجاهد: إن أولي الأمر: هم أهل القرآن والعلم، وبه قال مالك والضحاك.
وروى عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال ابن كيسان هم أهل العقل والرأي، والراجح القول الأول. قوله (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) المنازعة المجاذبة، والنزع: الجذب، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها، والمراد الاختلاف والمجادلة، وظاهر قوله (في شئ) يتناول أمور الدين والدنيا، ولكنه لما قال (فردوه إلى الله والرسول) تبين به أن الشئ المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا، والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه العزيز، والرد إلى الرسول: هو الرد إلى سنته المطهرة بعد موته، وأما في حياته فالرد إليه سؤاله، هذا معنى الرد إليهما، وقيل معنى الرد أن يقولوا: الله أعلم، وهو قول ساقط وتفسير بارد، وليس الرد في هذه الآية إلا الرد المذكور في قوله تعالى - ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم - قوله (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فيه دليل على أن هذا الرد متحتم على المتنازعين، وإنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر، والإشارة بقوله (ذلك) إلى الرد المأمور به (خير) لكم (وأحسن تأويلا) أي مرجعا، من الأول آل يؤول إلى كذا: أي صار إليه، والمعنى: أن ذلك الرد خير لكم وأحسن مرجعا ترجعون إليه. ويجوز أن يكون المعنى أن الرد أحسن تأويلا من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سرية، وقصته معروفة، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال: طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة (وأولي الأمر) قال: أولى الفقه والعلم. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة. قال (وأولي الأمر منكم) هم الأمراء، وفي لفظ هم أمراء السرايا. وأخرج