الدنيا مع قلته وانقطاعه. وقوله (أينما تكونوا يدرككم الموت) كلام مبتدأ، وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت، وبيان لفساد ما خالطه من الجبن وخامره من الخشية، فإن الموت إذا كان كائنا لا محالة * فمن لم يمت بالسيف مات بغيره * والبروج جمع برج: وهو البناء المرتفع، والمشيدة: المرفعة من شاد القصر: إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص، وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه.
وقد اختلف في هذه البروج ما هي؟ فقيل الحصون التي في الأرض وقيل هي القصور، قال الزجاج:
والقتيبي: ومعنى مشيدة مطولة، وقيل معناه مطلية بالشيد وهو الجص، وقيل المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك، وقال: ألا ترى إلى قوله " والسماء ذات البروج - جعل في السماء بروجا - ولقد جعلنا في السماء بروجا " وقيل إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد. وقرأ طلحة بن سليمان (يدرككم الموت) بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله * وقال رائدهم أرسوا نزاولها * قوله (وإن تصبهم حسنة) هذا وما بعده مختص بالمنافقين: أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى، وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرد الله ذلك عليهم بقوله (قل كل من عند الله) ليس كما تزعمون، ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) أي ما بالهم هكذا. قوله (ما أصابك من حسنة فمن الله) هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس، أو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعريضا لأمته: أي ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته، وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه، وقيل إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثا: أي فيقولون ما أصابك من حسنة فمن الله، وقيل إن ألف الاستفهام مضمرة: أي أفمن نفسك، ومثله قوله تعالى " وتلك نعمة تمنها علي " والمعنى أو تلك نعمة ومثله قوله " فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي " أي أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي:
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع * فقلت وأنكرت الوجوه هم هم أي أهم هم، وهذا خلاف الظاهر، وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية كقوله تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "، وقوله " أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم ". وقد يظن أن قوله (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) مناف لقوله (قل كل من عند الله) ولقوله " وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله "، وقوله " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " وقوله " وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " وليس الأمر كذلك، فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه. قوله (وأرسلناك للناس رسولا) فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس، ومثله قوله " وما أرسلناك إلا كافة للناس ". وقوله " يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " (وكفى بالله شهيدا) على ذلك. قوله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) فيه أن طاعة الرسول طاعة الله، وفي هذا من النداء بشرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلو شأنه وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، ووجهه أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به، ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه (ومن تولى) أي أعرض (فما أرسلناك عليهم حفيظا) أي حافظا لأعمالهم، إنما عليك البلاغ، وقد نسخ هذا بآية السيف (ويقولونه طاعة) بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي أمرنا طاعة، أو شأننا طاعة. وقرأ الحسن والجحدري ونصر بن عاصم بالنصب على المصدر: أي نطيع طاعة وهذه في المنافقين في قول أكثر المفسرين: أي يقولون إذا كانوا عندك طاعة (وإذا برزوا من عندك) أي خرجوا من عندك (بيت طائفة منهم) أي زورت طائفة من هؤلاء القائلين غير الذي تقول