لفعل محذوف دل عليه الفعل المذكور، والتقدير: ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالا. والصدود: اسم للمصدر، وهو الصد عند الخليل، وعند الكوفيين أنهما مصدران: أي يعرضون عنك إعراضا. قوله (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم) بيان لعاقبة أمرهم وما صار إليه حالهم: أي كيف يكون حالهم (إذا أصابتهم مصيبة) أي وقت إصابتهم، فإنهم يعجزون عند ذلك ولا يقدرون على الدفع. والمراد (بما قدمت أيديهم) ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت (ثم جاءوك) يعتذرون عن فعلهم، وهو عطف على (أصابتهم) وقوله (يحلفون) حال: أي جاءوك حال كونهم حالفين (إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا) أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة، والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك. وقال ابن كيسان: معناه ما أردنا إلا عدلا وحقا مثل قوله - وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى - فكذبهم الله بقوله (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) من النفاق والعداوة للحق. قال الزجاج: معناه قد علم الله أنهم منافقون (فأعرض عنهم) أي عن عقابهم، وقيل عن قبول اعتذارهم (وعظهم) أي خوفهم من النفاق (وقل لهم في أنفسهم) أي في حق أنفسهم، وقيل معناه: قل لهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم (قولا بليغا) أي بالغا في وعظهم إلى المقصود مؤثرا فيهم، وذلك بأن توعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم (وما أرسلنا من رسول) " من " زائدة للتوكيد (إلا ليطاع) فيما أمر به ونهى عنه (بإذن الله) بعلمه، وقيل بتوفيقه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك (جاءوك) متوسلين إليك منتصلين عن جناياتهم ومخالفتهم (فاستغفروا الله) لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم فاستغفرت لهم، وإنما قال (واستغفر لهم الرسول) على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (لوجدوا الله توابا رحيما) أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم. قوله (فلا وربك). قال ابن جرير: قوله (فلا) رد على ما تقدم ذكره، تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، ثم استأنف القسم بقوله (وربك لا يؤمنون) وقيل إنه قدم " لا " على القسم اهتماما بالنفي، وإظهارا لقوته ثم كرره بعد القسم تأكيدا، وقيل لا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد معنى النفي، والتقدير: فوربك لا يؤمنون كما في قوله - فلا أقسم بمواقع النجوم - (حتى يحكموك) أي يجعلوك حكما بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحدا غيرك، وقيل معناه يتحاكمون إليك، ولا ملجئ لذلك (فيما شجر بينهم) أي اختلف بينهم واختلط، ومنه الشجر لاختلاف أغصانه، ومنه قول طرفة:
وهم الحكام أرباب الهدى * وسعاة الناس في الأمر الشجر أي المختلف، ومنه تشاجر الرماح: أي اختلافها (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) قيل هو معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام: أي فتقضي بينهم ثم لا يجدوا. والحرج: الضيق، وقيل الشك، ومنه قيل للشجر الملتف حرج وحرجة، وجمعها حراج، وقيل الحرج: الإثم، أي لا يجدون في أنفسهم إثما بإنكارهم ما قضيت (ويسلموا تسليما) أي ينقادوا لأمرك وقضائك انقيادا لا يخالفونه في شئ. قال الزجاج (تسليما) مصدر مؤكد: أي ويسلمون لحكمك تسليما لا يدخلون على أنفسهم شكا ولا شبهة فيه. والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم كما يؤيد ذلك قوله (وما أرسلنا من رسول الله إلا ليطاع بإذن الله) فلا يختص بالمقصودين بقوله (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) وهذا في حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة، وتحكيم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما، وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة، بأن يكون عالما باللغة العربية وما يتعلق بها من نحو وتصريف ومعاني وبيان