الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها مبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب لما كانوا عليه من شدة الحسد وفرط العداوة. والمراد بقوله (فزادهم الله مرضا) الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النعم، ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية. ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق. والأليم المؤلم: أي الموجع، و " ما " في قوله (بما كانوا يكذبون) مصدرية: أي بتكذيبهم وهو قولهم (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) والقراء مجمعون على فتح الراء من قوله مرض، إلا ما رواه الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأ بإسكان الراء، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي (يكذبون) بالتخفيف، والباقون بالتشديد. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى (في قلوبهم مرض) قال: شك (فزادهم الله مرضا) قال شكا. وأخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله (في قلوبهم مرض) قال النفاق (ولهم عذاب أليم) قال: نكال موجع (كانوا يكذبون) قال: يبدلون ويحرفون. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثل ما قاله ابن عباس أولا. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شئ في القرآن أليم فهو الموجع. وأخرج أيضا عن أبي العالية مثله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله أيضا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة (في قلوبهم مرض) أي ريبة وشك في أمر الله (فزادهم الله مرضا) ريبة وشكا (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) قال: إياكم والكذب فإنه باب النفاق. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون. والمرض: الشك الذي دخل في الإسلام. وروى عن عكرمة وطاوس أن المرض: الرياء.
(إذا) في موضع نصب على الظرف والعامل فيه قالوا المذكور بعده. وفيه معنى الشرط. والفساد ضد الصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها. فسد الشئ يفسد فسادا وفسودا فهو فاسد وفسيد. والمراد في الآية: لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة الكفرة وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن، فإنكم إذا فعلتم ذلك فسد ما في الأرض بهلاك الأبدان وخراب الديار وبطلان الزرائع، كما هو مشاهد عند ثوران الفتن والتنازع. و " إنما " من أدوات القصر كما هو مبين في علم المعاني. والصلاح ضد الفساد. لما نهاهم الله عن الفساد الذي هو دأبهم أجابوا بهذه الدعوى العريضة، ونقلوا أنفسهم من الاتصاف بما هي عليه حقيقة وهو الفساد، إلى الاتصاف بما هو ضد لذلك وهو الصلاح، ولم يقفوا عند هذا الكذب البحت والزور المحض حتى جعلوا صفة الصلاح مختصة بهم خالصة لهم، فرد الله عليهم ذلك أبلغ رد لما يفيده حرف التنبيه من تحقق ما بعده، ولما في إن من التأكيد، وما في تعريف الخبر مع توسيط ضمير الفصل من الحصر المبالغ فيه بالجمع بين أمرين من الأمور المفيدة له، وردهم إلى صفة الفساد التي هم متصفون بها في الحقيقة ردا مؤكدا مبالغا فيه بزيادة على ما تضمنته دعواهم الكاذبة من مجرد الحصر المستفاد من إنما. وأما نفي الشعور عنهم فيحتمل أنهم لما كانوا يظهرون الصلاح مع علمهم أنهم على الفساد الخاص، ظنوا أن ذلك ينفق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينكتم عنه بطلان ما أضمروه، ولم يشعروا بأنه عالم به، وأن الخبر يأتيه بذلك من السماء، فكان نفي الشعور عنهم من هذه