محمد فهو فقير ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام. وقوله (سنكتب ما قالوا) سنكتبه في صحف الملائكة، أو سنحفظه. أو سنجازيهم عليه. والمراد الوعيد لهم، وأن ذلك لا يفوت على الله، بل هو معد لهم يوم الجزاء.
وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع؟ فقال: قال لهم (سنكتب ما قالوا). وقرأ الأعمش وحمزة " سيكتب " بالمثناة التحتية مبني للمفعول. وقرآ برفع اللام من " قتلهم " ويقول بالياء المثناة تحت. قوله (وقتلهم الأنبياء) عطف على ما قالوا: أي ونكتب قتلهم الأنبياء: أي قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به، جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء تنبيها على أنه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء. قوله (ونقول) معطوف على (سنكتب) أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار، أو عند الموت، أو عند الحساب. والحريق: اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة. وقرأ ابن مسعود " ويقال ذوقوا " والإشارة بقوله (ذلك) إلى العذاب المذكور قبله، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي. وقوله (وأن الله ليس بظلام للعبيد) معطوف على (ما قدمت أيديكم) ووجه أنه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب وجازاهم على فعلهم فلم يكن ذلك ظلما، أو بمعنى: أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وليس بظالم لمن عذبه بذنبه وقيل إن وجهه أن نفى الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسئ، ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه، ليس بظلم عقلا ولا شرعا، وقيل إن جملة قوله (وأن الله ليس بظلام للعبيد) في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان تنزهه عن ذلك، ونفي ظلام المشعر بالكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم. وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا. قوله (الذين قالوا) هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين قالوا وقيل نعت للعبيد وقيل منصوب على الذم، وقيل هو في محل جر بدل من (لقد سمع الله قول الذين قالوا) وهو ضعيف، لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه، وليس الأمر كذلك هنا، والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود كما سيأتي، وهذا المقول وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة. وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان، فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه، ولم يتعبد الله بذلك كل أنبيائه ولا جعله دليلا على صدق دعوى النبوة، ولهذا رد الله عليهم فقال (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم) من القربان (فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر لا من قتلوا من الأنبياء. والقربان: ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح، وهو فعلان من القربة ثم سلى الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا) بمثل ما جئت به من البينات. والزبر جمع زبور: وهو الكتاب، وقد تقدم تفسيره (والكتاب المنير) الواضح الجلي المضئ، يقال نار الشئ وأنار ونوره واستناره بمعنى.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم. فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص قبل اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فقال فنحاص: