قوله (ولا يحزنك) قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي، وقرأ ابن محيصن بضم الياء والزاي، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي، وهما لغتان، يقال حزنني الأمر وأحزنني، والأولى أفصح. وقرأ طلحة (يسرعون) قيل هم قوم ارتدوا، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، فسلاه الله سبحانه ونهاه عن الحزن، وعلل ذلك بأنهم لن يضروا الله شيئا، وإنما ضروا أنفسهم بأن لاحظ لهم في الآخرة ولهم عذاب عظيم، وقيل هم كفار قريش وقيل هم المنافقون، وقيل هو عام في جميع الكفار. قال القشيري، والحزن على كفر الكافر طاعة، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفرط في الحزن، فنهي عن ذلك كما قال الله تعالى - فلا تذهب نفسك عليهم حسرات - - فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا - وعدى السارعون بفي دون إلى للدلالة على أنهم مستقرون فيه مديمون لملابسته، ومثله يسارعون في الخيرات. وقوله (إنهم لن يضروا الله شيئا) تعليل للنهي، والمعنى: أن كفرهم لا ينقص من ملك الله سبحانه شيئا، وقيل المراد لن يضروا أولياءه، ويحتمل أن يراد لن يضروا دينه الذي شرعه لعباده، وشيئا منصوب على المصدرية: أي شيئا من الضرر، وقيل منصوب بنزع الخافض: أي بشئ. والحظ: النصيب. قال أبو زيد: يقال رجل حظيظ إذا كان ذا حظ من الرزق، والمعنى أن الله يريد أن لا يجعل لهم نصيبا في الجنة أو نصيبا من الثواب، وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها (ولهم عذاب عظيم) بسبب مسارعتهم في الكفر فكان ضرر كفرهم عائدا عليهم جالبا لهم عدم الحظ في الآخرة ومصيرهم في العذاب العظيم. قوله (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان) أي استبدلوا الكفر بالإيمان، وقد تقدم تحقيق هذه الاستعارة (لن يضروا الله شيئا) معناه كالأول وهو للتأكيد لما تقدمه، وقيل إن الأول خاص بالمنافقين، والثاني يعم جميع الكفار، والأول أولى. قوله (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم) قرأ ابن عامر وعاصم وغيرهما (يحسبن) بالياء التحتية وقرأ حمزة بالفوقية، والمعنى على الأولى: لا يحسبن الكافرون أنما نملي لهم بطول العمر ورغد العيش أو بما أصابوا من الظفر يوم أحد (خير لأنفسهم) فليس الأمر كذلك بل إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. وعلى القراءة الثانية: لا تحسبن يا محمد أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم، بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم، وهو أن الإملاء الذي نمليه لهم ليزدادوا إثما. فالموصول على القراءة الأولى فاعل الفعل، وأنما نملي وما بعده ساد مسد مفعولي الحسبان عند سيبويه أو ساد مسد أحدهما، والآخر محذوف عند الأخفش. وأما على القراءة الثانية فقال الزجاج: إن الموصول هو المفعول الأول، وأنما وما بعدها بدل من الموصول ساد مسد المفعولين، ولا يصح أن يكون أنما وما بعده هو المفعول الثاني، لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى. وقال أبو علي الفارسي: لو صح هذا لكان خيرا بالنصب لأنه يصير بدلا من الذين كفروا، فكأنه قال: لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا. وقال الكسائي والفراء: إنه يقدر تكرير الفعل كأنه قال: ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم فسدت مسد المفعولين. وقال في الكشاف: فإن قلت كيف صح مجئ البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟ قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحي، ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق
(٤٠٣)