يلحقوا بهم، أو هو مبتدأ خبره (للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) بجملته، أو منصوب على المدح وقد تقدم تفسير القرح. قوله (الذين قال لهم الناس) المراد بالناس هنا نعيم بن مسعود كما سيأتي بيانه، وجاز إطلاق لفظ الناس عليه لكونه من جنسهم، وقيل المراد بالناس ركب عبد القيس الذين مروا بأبي سفيان، وقيل هم المنافقون. والمراد بقوله (إن الناس قد جمعوا لكم) أبو سفيان وأصحابه، والضمير في قوله (فزادهم) راجع إلى القول المدلول عليه، بقال أو إلى المقول، وهو (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) أو إلى القائل، والمعنى:
أنهم لم يفشلوا لما سمعوا ذلك ولا التفتوا إليه، بل أخلصوا لله وازدادوا طمأنينة ويقينا. وفيه دليل على أن الإيمان يزيد وينقص. قوله (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) حسب مصدر حسبه: أي كفاه وهو بمعنى الفاعل: أي محسب بمعنى كافي. قال في الكشاف: والدليل على أنه بمعنى المحسب أنك تقول: هذا رجل حسبك، فتصف به النكرة لأن إضافته لكونه بمعنى اسم الفاعل غير حقيقة انتهى. والوكيل هو من توكل إليه الأمور، أي نعم الموكول إليه أمرنا، أو الكافي، أو الكافل والمخصوص بالمدح محذوف: أي نعم الوكيل الله سبحانه. قوله (فانقلبوا) هو معطوف على محذوف: أي فخرجوا إليهم فانقلبوا بنعمة هو متعلق بمحذوف وقع حالا. والتنوين للتعظيم:
أي رجعوا متلبسين (بنعمة) عظيمة وهي السلامة من عدوهم وعافية (وفضل) أي أجر تفضل الله به عليهم، وقيل ربح في التجارة، وقيل النعمة خاصة بمنافع الدنيا، والفضل بمنافع الآخرة، وقد تقدم تفسيرهما قريبا بما يناسب ذلك المقام لكون الكلام فيه مع الشهداء الذين قد صاروا في الدار الآخرة، والكلام هنا مع الأحياء.
قوله (لم يمسسهم سوء) في محل نصب على الحال: أي سالمين عن سوء لم يصبهم قتل ولا جرح ولا ما يخافونه (واتبعوا رضوان الله) في ما يأتون ويذرون، ومن ذلك خروجهم لهذه الغزوة (والله ذو فضل عظيم) لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، ومن تفضله عليهم تثبيتهم وخروجهم للقاء عدوهم وإرشادهم إلى أن يقولوا هذه المقالة التي هي جالبة لكل خير ودافعة لكل شر. قوله (إنما ذلكم) أي المثبط لكم أيها المؤمنون (الشيطان) هو خبر اسم الإشارة، ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة والخبر قوله (يخوف أولياءه)، فعلى الأول يكون قوله (يخوف أولياءه) جملة مستأنفة أو خالية، والظاهر أن المراد هنا الشيطان نفسه باعتبار ما يصدر منه من الوسوسة المقتضية للتثبيط، وقيل المراد به نعيم بن مسعود لما قال لهم تلك المقالة، وقيل أبو سفيان لما صدر منه الوعيد لهم، والمعنى أن الشيطان يخوف المؤمنين أولياءه وهم الكافرون، وقيل إن قوله (أولياءه) منصوب بنزع الحافض أي يخوفكم بأوليائه أو من أوليائه، قاله الفراء والزجاج وأبو علي الفارسي. ورده ابن الأنباري بأن التخويف قد يتعدى بنفسه إلى مفعولين فلا ضرورة إلى إضمار حرف الجر. وعلى قول الفراء ومن معه يكون مفعول يخوف محذوفا: أي يخوفكم. وعلى الأول يكون المفعول الأول محذوفا والثاني مذكورا، ويجوز أن يكون المراد أن الشيطان يخوف أولياءه وهم القاعدون من المنافقين فلا حذف. قوله (فلا تخافوهم) أي أولياءه الذين يخوفكم بهم الشيطان، أو فلا تخافوا الناس المذكورين في قوله (إن الناس قد جمعوا لكم) نهاهم سبحانه عن أن يخافوهم فيجبنوا عن اللقاء ويفشلوا عن الخروج، وأمرهم بأن يخافوه سبحانه فقال (وخافون) فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه لأني الحقيق بالخوف مني، والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي وقيده بقوله (إن كنتم مؤمنين) لأن الإيمان يقتضي ذلك.
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) في حمزة وأصحابه. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي الضحى أنها نزلت في قتلى أحد وحمزة منهم.