داخرين - قال الزجاج لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة، وبين أحكام الحج، وحكم الحيض، والطلاق والإيلاء، وأقاصيص الأنبياء، وبين حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله (لله ما في السماوات وما في الأرض) ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها، وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها. وقد تقدم بيان ذلك. قوله (وملائكته) أي من حيث كونهم عباده المكرمين المتوسطين بينه وبين أنبيائه في إنزال كتبه، وقوله (وكتبه) لأنها المشتملة على الشرائع التي تعبد بها عباده. وقوله (ورسله) لأنهم المبلغون لعباده ما نزل إليهم. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وكتبه بالجمع. وقرأوا في التحريم وكتابه. وقرأ ابن عباس هنا وكتابه وكذلك قرأ حمزة والكسائي، وروى عنه أنه قال: الكتاب أكثر من الكتب. وبينه صاحب الكشاف فقال: لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع انتهى. ومن أراد تحقيق المقام فليرجع إلى شرح التلخيص المطول عند قول صاحب التلخيص " واستغراق المفرد أشمل ". وقرأ الجمهور ورسله بضم السين. وقرأ أبو عمرو بتخفيف السين. وقرأ الجمهور " لا نفرق " بالنون. والمعنى: يقولون: لا نفرق. وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة وابن عمر وابن جرير ويعقوب " لا يفرق " بالياء التحتية. وقوله (بين أحد) ولم يقل بين آحاد، لأن الأحد يتناول الواحد، والجمع كما في قوله تعالى - منكم من أحد عنه حاجزين - فوصفه بقوله - حاجزين - لكونه في معنى الجمع، وهذه الجملة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال وأن تكون خبرا آخر لقوله (كل). وقوله (من رسله) أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم، أو الإشعار بعلة عدم التفريق بينهم. وقوله (وقالوا سمعنا وأطعنا) هو معطوف على قوله (آمن) وهو وإن كان للمفرد وهذا للجماعة فهو جائز نظرا إلى جانب المعنى: أي أدركناه بأسماعنا وفهمناه وأطعنا ما فيه، وقيل معنى سمعنا: أجبنا دعوتك. قوله (غفرانك) مصدر منصوب بفعل مقدر: أي اغفر غفرانك. قاله الزجاج وغيره، وقدم السمع والطاعة على طلب المغفرة لكون الوسيلة تتقدم على المتوسل إليه. قوله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) التكليف هو الأمر بما فيه مشقة وكلفة والوسع: الطاقة، والوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، وهذه جملة مستقلة جاءت عقب قوله سبحانه (وإن تبدوا ما في أنفسكم) الآية لكشف كربة المسلمين، ودفع المشقة عليهم في التكليف بما في الأنفس وهي كقوله سبحانه - يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر -. قوله (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فيه ترغيب وترهيب أي لها ثواب ما كسبت من الخير وعليها وزر ما اكتسبت من الشر، وتقدم لها وعليها على الفعلين ليفيد أن ذلك لها لا لغيرها وعليها لا على غيرها، وهذا مبنى على أن كسب للخير فقط، واكتسب للشر فقط، كما قاله صاحب الكشاف وغيره، وقيل كل واحد من الفعلين يصدق على الأمرين، وإنما كرر الفعل وخالف بين التصريفين تحسينا للنظم كما في قوله تعالى - فمهمل الكافرين أمهلهم رويدا -. قوله (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) أي لا تؤاخذنا بإثم ما يصدر منا من هذين الأمرين. وقد استشكل هذا الدعاء جماعة من المفسرين وغيرهم قائلين إن الخطأ والنسيان مغفوران غير مؤاخذ بهما فما معنى الدعاء بذلك، فإنه من تحصيل الحاصل. وأجيب عن ذلك بأن المراد طلب المؤاخذة بما صدر عنهم من الأسباب المؤدية إلى النسيان والخطأ من التفريط وعدم المبالاة، لا من نفس النسيان والخطأ فإنه لا مؤاخذة بهما كما يفيد ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان "
(٣٠٧)