لا يضارر كاتب ولا شهيد من طلب ذلك منهما، إما بعدم الإجابة، أو بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان في كتابته، ويدل على هذا قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق " ولا يضارر " بكسر الراء الأولى، وعلى الثاني لا يضارر كاتب ولا شهيد بأن يدعيا إلى ذلك وهما مشغولان بمهم لهما ويضيق عليهما في الإجابة ويؤذيا إن حصل منهما التراخي، أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد، ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود " ولا يضارر " بفتح الراء الأولى، وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا. وقد تقدم في تفسير قوله تعالى (لا تضار والدة بولدها) ما إذا راجعته زادك بصيرة إن شاء الله. قوله (وإن تفعلوا) أي ما نهيتم عنه من المضارة (فإنه) أي فعلكم هذا فسوق بكم) أي خروج عن الطاعة إلى المعصية ملتبس بكم (واتقوا الله) في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه (ويعلمكم الله) ما تحتاجون إليه من العلم، وفيه الوعد لمن اتقاه أن يعلمه، ومنه قوله تعالى - إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا -. قوله (وإن كنتم على سفر) لما ذكر سبحانه مشروعية الكتابة والإشهاد لحفظ الأموال ودفع الريب، عقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب ونص على حالة السفر فإنها من جملة أحوال العذر، ويلحق بذلك كل عذر يقوم مقام السفر، وجعل الرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة: أي فإن كنتم مسافرين (ولم تجدوا كاتبا) في سفركم (فرهان مقبوضة) قال أهل العلم: الرهن في السفر ثابت ينص التنزيل، وفي الحضر بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما ثبت في الصحيحين " أنه صلى الله عليه وآله وسلم رهن درعا له من يهودي ". وقرأ الجمهور " كاتبا " أي رجلا يكتب لكم. وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد والضحاك وعكرمة وأبو العالية " كتابا " قال ابن الأنباري: فسره مجاهد فقال: معناه فإن لم تجدوا مدادا: يعني في الأسفار. وقرأ أبو عمرو وابن كثير " فرهن " بضم الراء والهاء. وروى عنهما تخفيف الهاء جمع رهان، قاله الفراء والزجاج وابن جرير الطبري. وقرأ عاصم بن أبي النجود " فرهن " بفتح الراء وإسكان الهاء. وقراءة الجمهور " رهان ". قال الزجاج: يقال في الرهن رهنت وأرهنت، وكذا قال ابن الأعرابي والأخفش. وقال أبو علي الفارسي: يقال أرهنت في المعاملات، وأما في القرض والبيع فرهنت: وقال ثعلب: الرواة كلهم في قول الشاعر:
فلما خشيت أظافيرهم * نجوت وأرهنتهم مالكا على أرهنتهم على أنه يجوز رهنته وأرهنته إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم على أنه عطف لفعل مستقبل على فعل ماض وشبهه بقوله قمت وأصك وجهه. وقال ابن السكيت: أرهنت فيهما بمعنى أسلفت، والمرتهن الذي يأخذ الرهن، والشيء مرهون ورهين، وراهنت فلانا على كذا مراهنة خاطرته. وقد ذهب الجمهور إلى اعتبار القبض كما صرح به القرآن، وذهب مالك إلى أنه يصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض. قوله (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته) أي إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق لحسن ظنه به وأمانته لديه واستغنى بأمانته عن الارتهان (فليؤد الذي اؤتمن) وهو المديون (أمانته) أي الدين الذي عليه، والأمانة مصدر سمي به الذي في الذمة وأضافها إلى الذي عليه الدين من حيث أن لها إليه نسبة، وقرى " ايتمن " بقلب الهمزة ياء، وقرئ بإدغام الياء في التاء وهو خطأ، لأن المنقلبة من الهمزة لا تدغم لأنها في حكمها (وليتقي الله ربه) في أن لا يكتم من الحق شيئا. قوله (ولا تكتموا الشهادة) نهى للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة، وهو في حكم التفسير لقوله (ولا يضار كاتب) أي لا يضارر بكسر الراء الأولى على أحد التفسيرين المتقدمين. قوله (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) خص القلب بالذكر لأن الكتم من أفعاله، ولكونه رئيس الأعضاء، وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد كله، وارتفاع القلب على أنه فاعل أو مبتدأ وآثم خبره على ما تقرر