من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل: الوقت، يقال: هبت الرياح لقرئها ولقارئها: أي لوقتها، ومنه قول الشاعر:
كرهت العقر عقر بني شليل * إذا هبت لقارئها الرياح فيقال للحيض قرء، وللطهر قرء، لأن كل واحد منهما له وقت معلوم. وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار، وتارة على الحيض، فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشي:
أفي كل عام أنت جاشم غزوة * تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة قوله مالا وفي الحي رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا أي أطهارهن، ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر:
يا رب ذي حنق علي قارض * له قرو كقرو الحائض يعني أنه طعنه فكان له دم كدم الحائض. وقال قوم: هو مأخوذ من قرى الماء في الحوض وهو جمعه ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه. قال عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطل أدماء بكر * هجان اللون لم تقرأ جنينا أي لم تجمعه في بطنها. والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض والطهر، ولأجل هذا الاشتراك، اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية، فقال أهل الكوفة: هي الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وأحمد بن حنبل. وقال أهل الحجاز هي الأطهار، وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي، واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت، فصار معنى الآية عند الجميع، والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة أوقات فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها فأهل القول الأول استدلوا على أن المراد في هذه الآية الحيض بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " دعي الصلاة أيام أقرائك " وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " وبأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر: واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر. ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر " مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وذلك لأن زمن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بأن الأقراء هي الأطهار، فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة، ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدة انتهى. وعندي أن لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعا. أما قول الأولين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " دعي الصلاة أيام أقرائك " فغاية ما في هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلق الأقراء على الحيض، ولا نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك فإنه يطلق تارة على هذا، وتارة على هذا وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة " وعدتها حيضتان " فهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا. وأخرجه ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا أيضا، ودلالته على ما قاله الأولون قوية. وأما قولهم إن المقصود من