ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له * ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا قال ابن المنذر: وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفئ الجماع لمن لا عذر له، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته، فإذا زال العذر فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت، قاله مالك، وقالت طائفة إذا أشهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه. وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل. وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع امرأته الكفارة. وقال الحسن والنخعي: لا كفارة عليه. قوله (وإن عزموا الطلاق) العزم: العقد على الشئ، ويقال عزم يعزم عزما وعزيمة وعزمانا، واعتزم اعتزاما، فمعنى عزموا الطلاق: عقدوا عليه قلوبهم. والطلاق من طلقت المرأة تطلق كنصر ينصر طلاقا فهي طالق وطالقة أيضا ويجوز طلقت بضم اللام، مثل عظم يعظم، وأنكره الأخفش. والطلاق حل عقد النكاح، وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضي أربعة أشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة، وأيضا فإنه قال (سميع)، وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي. وقال أبو حنيفة (سميع) لإيلائه (عليم) بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر. واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ، ولا دليل آخر، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يولي: أي يحلف من امرأته أربعة أشهر. ثم قال مخبر العبادة بحكم هذا المولى بعد هذه المدة (فإن فاءوا) رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح (فإن الله غفور رحيم) أي لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم (وإن عزموا الطلاق) أي وقع العزم منهم عليه والقصد له (فإن الله سميع) لذلك منهم (عليم) به، فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة، فمن حلف أن لا يطأ امرأته ولم يقيد بمدة أو قيد بزيادة على أربعة أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهر، فإذا مضت فهو بالخيار إما رجع إلى نكاح امرأته، وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها، أو طلقها وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء، وأما إذا وقت بدون أربعة أشهر فإن أراد أن يبر في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين آلى من نسائه شهرا فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر، وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة، وكان ممتثلا لما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله " من حلف على شئ فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه ".
وقد أخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الإيلاء أن يحلف أنه لا يجامعها أبدا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله (للذين يؤلون من نسائهم) قال: هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها فتتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان إما أن يفئ وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال: كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، فوقت الله لهم أربعة أشهر فإن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. وأخرج عبد بن حميد عن علي قال: الإيلاء إيلاءان: إيلاء في الغضب، وإيلاء في الرضا - فأما الإيلاء في الغضب: فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه، وأما ما كان في الرضا فلا يؤاخذ به. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ " فإن فاءوا فيهن فإن الله غفور رحيم ". وأخرج عبد بن حميد عن علي قال: الفئ: الجماع. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر