اتفق عليه عامة العلماء. وقال أبو هريرة وجماعة من السلف: هو أن يحلف الرجل على الشئ لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه، وإلى هذا ذهبت الحنفية والزيدية، وبه قال مالك في الموطأ. وروى عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان، وبه قال طاوس ومكحول. وروى عن مالك، وقيل إن اللغو هو يمين المعصية، قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله بن الزبير وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم، وقيل لغو اليمين: هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول: أعمى الله بصره، أذهب الله ماله، هو يهودي، هو مشرك. قاله زيد بن أسلم: وقال مجاهد: لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا، ويقول الآخر: والله لا أشتريه بكذا. وقال الضحاك: لغو اليمين هي المكفرة: أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا. والراجح القول الأول لمطابقته للمعنى اللغوي، ولدلالة الأدلة عليه كما سيأتي.
وقوله (والله غفور حليم) أي حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد وقصد. وآخذكم بما تعمدته قلوبكم وتكلمت به ألسنتكم، وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير. وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عنه: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته أو لا يتصدق ويكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول قد حلفت، قال: يكفر عن يمينه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: جاء رجل إلى عائشة فقال: إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق، وكل مال لي ستر للبيت، فقالت: لا تجعل مملوكيك عتقاء ولا تجعل مالك سترا للبيت فإن الله يقول (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) فكفر عن يمينك وقد ورد أن هذه الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح. رواه ابن جرير عن ابن جريج، والقصة مشهورة. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ". وثبت أيضا في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ". وأخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه ". وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم ". وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمر مرفوعا مثله. وأخرج النسائي وابن ماجة عن مالك الجشمي قال: قلت يا رسول الله يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله، فقال: كفر عن يمينك. وأخرج مالك في الموطأ وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) في قول الرجل لا والله وبلى والله وكلا والله. وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال: قالت عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله " وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة أنها قالت في تفسيره الآية: إن اللغو هو القوم يتدارون في الأمر يقول هذا لا والله ويقول هذا كلا والله، يتدارون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت: هو اللغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرجل لا والله وبلى والله، فذاك لا كفارة فيه،