العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر، فيجاب عنه بأنه إنما يتم لو لم يكن في هذه العدة شئ من الحيض على فرض تفسير الأقراء بالأطهار، وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض كما هي مشتملة على الأطهار وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى - فطلقوهن لعدتهن - فيجاب عنه بأن التنازع في اللام في قوله - لعدتهن - يصير ذلك محتملا، ولا تقوم الحجة بمحتمل. وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعمر " مره فليراجعها " الحديث فهو في الصحيح، ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه، ويمكن أن يقال إنها تنقضي العدة بثلاثة أطهار أو بثلاث حيض، ولا مانع من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه، وبذلك يجمع بين الأدلة، ويرتفع الخلاف، ويندفع النزاع. وقد استشكل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة. وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية.
قوله (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) قيل المراد به الحيض، وقيل الحمل، وقيل كلاهما، ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الإضرار بالزوج وإذهاب حقه، فإذا قالت المرأة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع، وإذا قالت لم تحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به، وكذلك الحمل ربما تكتمه التقطع حقه من الارتجاع، وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة، ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للإضرار بالزوج. وقد اختلفت الأقوال في المدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها.
وقوله (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) فيه وعيد شديد للكاتمات، وبيان أن من كتمت ذلك منهن لم تستحق اسم الإيمان. والبعولة جمع بعل وهو الزوج، سمى بعلا لعلوه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب، ومنه قوله تعالى - أتدعون بعلا - أي ربا، ويقال بعول وبعولة كما يقال في جمع الذكر ذكور وذكورة، وهذه التاء لتأنيث الجمع وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع، والبعولة أيضا تكون مصدرا من بعل الرجل يبعل، مثل منع يمنع: أي صار بعلا. وقوله (أحق بردهن) أي برجعتهن، وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن) لأنه يعم المثلثات وغيرهن. وقوله (في ذلك) يعني في مدة التربص، فإن انقضت مدة التربص فهي أحق بنفسها، ولا تحل له إلا بنكاح مستأنف بولي وشهود ومهر جديد، ولا خلاف في ذلك، والرجعة تكون باللفظ وتكون بالوطء، ولا يلزم المراجع شئ من أحكام النكاح بلا خلاف. وقوله (إن أرادوا إصلاحا) أي بالمراجعة: أي إصلاح حاله معها وحالها معه، فإن قصد الإضرار بها فهي محرمة لقوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) قيل وإذا قصد بالرجعة الضرار فهي صحيحة وإن ارتكب بذلك محرما وظلم نفسه، وعلى هذا فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح والزجر لهم عن قصد الضرار، وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطا لصحة الرجعة. قوله (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) أي لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن، فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم، وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك. قوله (وللرجال عليهن درجة) أي منزلة ليست لهن وهو قيامه عليها في الإنفاق، وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوة، وله من الميراث أكثر مما لها، وكونه يجب عليها امتثال أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهن خلقن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم.
وقد أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طلقت