إرضاع نفسه إذا مات أبوه وورث من ماله، قاله قبيصة بن ذؤيب وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز:
وروى عن الشافعي، وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد موت الآخر منهما، فإذا مات الأب كان على الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال، قاله سفيان الثوري، وقيل إن معنى قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) أي وارث المرضعة يجب عليه أن يصنع بالمولود كما كانت الأم تصنعه به من الرضاع والخدمة والتربية. وقيل إن معنى قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) أنه يحرم عليه الإضرار بالأم كما يحرم على الأب، وبه قالت طائفة من أهل العلم، قالوا: وهذا هو الأصل، فمن ادعى أنه يرجع فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل. قال القرطبي:
وهو الصحيح، إذ لو أراد الجميع الذي هو الرضاع والإنفاق وعدم الضرر يقال: وعلى الوارث مثل هؤلاء، فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة، وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبد الوهاب.
قال ابن عطية وقال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله مثل ذلك أن لا تضار. وأما الرزق والكسوة فلا يجب شئ منه. وحكى ابن القاسم عن مالك مثل ما قدمنا عنه في تفسير هذه الآية ودعوى النسخ. ولا يخفى عليك ضعف ما ذهبت إليه هذه الطائفة، فإن ما خصصوا به معنى قوله (وعلى الوارث مثل ذلك) من ذلك المعنى: أي عدم الإضرار بالمرضعة قد أفاده قوله (لا تضار والدة بولدها) لصدق ذلك على كل مضارة ترد عليها من المولود له أو غيره. وأما قول القرطبي: لو أراد الجميع لقال مثل هؤلاء، فلا يخفى ما فيه من الضعف البين، فإن اسم الإشارة يصلح للمتعدد كما يصلح للواحد بتأويل المذكور أو نحوه. وأما ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن المراد بالوارث وارث الصبي، فيقال عليه إن لم يكن وارثا حقيقة مع وجود الصبي حيا، بل هو وارث مجازا باعتبار ما يئول إليه. وأما ما ذهب إليه أهل القول الثاني فهو وإن كان فيه حمل الوارث على معناه الحقيقي، لكن في إيجاب النفقة عليه مع غنى الصبي ما فيه، ولهذا قيده القائل به بأن يكون الصبي فقيرا، ووجه الاختلاف في تفسير الوارث ما تقدم من ذكر الوالدات والمولود له والولد، فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم. قوله (فإن أرادا فصالا) الضمير للوالدين. والفصال: الفطام عن الرضاع: أي التفريق بين الصبي والثدي، ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه. وقوله (عن تراض منهما) أي صادرا عن تراض من الأبوين إذا كان الفصال قبل الحولين (فلا جناح عليهما) في ذلك الفصال. سبحانه لما بين أن مدة الرضاع حولين كاملين قيد ذلك بقوله (لمن أراد أن يتم الرضاعة) وظاهره أن الأب وحده إذا أراد أن يفصل الصبي قبل الحولين كان ذلك جائزا له، وهنا اعتبر سبحانه تراضى الأبوين وتشاورهما فلا بد من الجمع بين الأمرين بأن يقال إن الإرادة المذكورة في قوله (لمن أراد أن يتم الرضاعة) لابد أن تكون منهما، أو يقال: إن تلك الإرادة إذا لم يكن الأبوان للصبي حيين بأن كان الموجود أحدها، أو كانت المرضعة للصبي ظئرا غير أمه. والتشاور:
استخراج الرأي يقال شرت العسل: استخرجته، وشرت الدابة: أجريتها لاستخراج جريها، فلا بد لأحد الأبوين إذا أراد فصال الرضيع أن يراضي الآخر ويشاوره حتى يحصل الاتفاق بينهما على ذلك. قوله (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم) قال الزجاج: التقدير أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة. وعن سيبويه أنه حذف اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين، والمفعول الأول محذوف، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم (إذا سلمتم ما آتيتم) بالمد أي أعطيتم، وهي قراءة الجماعة إلا ابن كثير، فإنه قرأ بالقصر: أي فعلتم، ومنه قول زهير:
وما كان من خير أتوه فإنما * توارثه آباء آبائهم قبل