شيئا واحدا كان الاختيار النصب على معنى: قل ينفقون العفو، والعفو: ما سهل وتيسر ولم يشق على القلب، والمعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم، وقيل: هو ما فضل عن نفقة العيال. وقال جمهور العلماء: هو نفقات التطوع، وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة المفروضة، وقيل هي محكمة، وفي المال حق سوى الزكاة. قوله (كذلك يبين الله لكم الآيات) أي في أمر النفقة. وقوله (في الدنيا والآخرة) متعلق بقوله (تتفكرون) أي تتفكرون في أمرهما، فتحبسون من أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم، وتنفقون الباقي في الوجوه المقربة إلى الآخرة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفي الآخرة وبقائها، فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة، وقيل يجوز أن يكون إشارة إلى قوله (وإثمها أكبر من نفعهما) أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة، وليس هذا بجيد. قوله (ويسألونك عن اليتامى هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى - ولا تقربوا مال اليتيم - وقوله - إن الذين يأكلون أموال اليتامى - وقد كان ضاق على الأولياء الأمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله، فنزلت هذه الآية. والمراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم، فإن ذلك أصلح من مجانبتهم. وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك. قوله (وإن تخالطوهم فإخوانكم) اختلف في تفسير المخالطة لهم، فقال أبو عبيدة، مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله، وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان، فدلت هذه الآية على الرخصة، وهي ناسخة لما قبلها، وقيل المراد بالمخالطة: المعاشرة للأيتام، وقيل المراد بها: المصاهرة لهم. والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية. وقوله (فإخوانكم) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهم إخوانكم في الدين. وفي قوله (والله يعلم المفسد من المصلح) تحذير للأولياء: أي لا يخفى على الله من ذلك شئ فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه، ومن أفسد فعلى نفسه. وقوله (لأعنتكم) أي ولو شاء لجعل ذلك شاقا عليكم ومتعبا لكم وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة، وقيل العنت هنا: معناه الهلاك. قاله أبو عبيدة، وأصل العنت المشقة. وقال ابن الأنباري: أصل العنت التشديد ثم نقل إلى معنى الهلاك. وقوله (عزيز) أي لا يمتنع عليه شئ، لأنه غالب لا يغالب (حكيم) يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته، وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم.
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالمال والعقل، فنزلت (يسألونك عن الخمر والميسر) يعني هذه الآية، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت التي في سورة النساء - يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى - فكان ينادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعى عمر فقرئت عليه، فلما بلغ - فهل أنتم منتهون - قال عمر: انتهينا انتهينا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كنا نشرب الخمر فأنزلت (يسألونك عن الخمر والميسر) الآية، فقلنا نشرب منها ما ينفعنا، فنزلت في المائدة - إنما الخمر والميسر - الآية فقالوا: اللهم انتهينا. وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال الميسر