(وفي الرقاب) أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم، وقيل المراد شراء الرقاب وإعتاقها، وقيل المراد فك الأسارى. وقوله (وآتى الزكاة) فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوع، لا صدقة الفريضة. وقوله (والموفون) قيل هو معطوف على " من آمن "، كأنه قيل: ولكن البر المؤمنون والموفون. قاله الفراء والأخفش، وقيل هو مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف، وقيل هو خبر لمبتدأ محذوف: أي هم الموفون، وقيل إنه معطوف على الضمير في آمن، وأنكره أبو علي وقال: ليس المعنى عليه. وقوله (والصابرين) منصوب على المدح كقوله تعالى - والمقيمين الصلاة -، ومنه ما أنشده أبو عبيدة:
لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معركة * والطيبين معاقد الأزر وقال الكسائي: هو معطوف على ذوي القربى كأنه قال: وآتى الصابرين. وقال النحاس: إنه خطأ. قال الكسائي: وفي قراءة عبد الله (والموفين والصابرين). قال النحاس: يكونان على هذه القراءة منسوقين على ذوي القربى أو على المدح. وقرأ يعقوب والأعمش (والموفون والصابرون) بالرفع فيهما. (والبأساء) الشدة والفقر.
(والضراء) المرض والزمانة (وحين البأس) قيل المراد وقت الحرب، والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلاء ولا فعل لهما لأنهما اسمان وليسا بنعت. وقوله (صدقوا) وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها وأنهم كانوا جادين، وقيل المراد صدقوهم القتال، والأول أولى.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان فتلا (ليس البر أن تولوا وجوهكم) حتى فرغ منها، ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله فتلاها. قال: وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك، وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
جاء رجل إلى أبي ذر فقال: ما الإيمان؟ فتلا عليه هذه الآية، ثم ذكر له نحو الحديث السابق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: يقول ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا، هذا حين تحول من مكة إلى المدينة وأنزلت الفرائض. وأخرج عنه ابن جرير أنه قال: هذه الآية نزلت بالمدينة، يقول: ليس البر أن تصلوا، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن البر، فأنزل الله (ليس البر) الآية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال: كانت اليهود تصلي قبل المغرب، والنصارى قبل المشرق، فنزلت (ليس البر) الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية مثله. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله (وآتى المال على حبه) قال: يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر. وأخرج عنه مرفوعا مثله. وأخرج البيهقي في الشعب عن المطلب " أنه قيل: يا رسول ما آتي المال على حبه فكلنا نحبه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر ". وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله (وآتى المال على حبه) يعني على حب المال. وأخرج عنه أيضا في قوله (ذوي القربى) يعني قرابته. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة " أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي في سننه