عباس في قوله (ومثل الذين كفروا) الآية، قال: كمثل البقر والحمار والشاة إن قلت لبعضهم كلاما لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه أنه يسمع صوتك. وروى نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد، وعن عكرمة أخرجه وكيع. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال لي عطاء في هذه الآية: هم اليهود الذين أنزل الله فيهم (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) إلى قوله (فما أصبرهم على النار).
قوله (كلوا من طيبات ما رزقناكم) هذا تأكيد للأمر الأول: أعني قوله (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا) وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس، قيل والمراد بالأكل الانتفاع، وقيل المراد به الأكل المعتاد، وهو الظاهر. قوله (واشكروا لله) قد تقدم أنه يقال شكره وشكر له يتعدى بنفسه وبالحرف.
وقوله (إن كنتم إياه تعبدون) أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدم المفعول. قوله (إنما حرم عليكم الميتة) قرأ أبو جعفر (حرم) على البناء للمفعول و (إنما) كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه.
وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها. قوله (الميتة) قرأ ابن أبي عبلة بالرفع، ووجه ذلك أنه يجعل " ما " في " إنما " موصولة منفصلة في الخط، والميتة وما بعدها خبر الموصول، وقراءة الجميع بالنصب. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع الميتة بتشديد الياء، وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التخفيف والتشديد. والميتة ما فارقها الروح من غير ذكاة. وقد خصص هذا العموم بمثل حديث " أحل لنا ميتتان ودمان " أخرجه أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا، ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى - أحل لكم صيد البحر - فالمراد بالميتة هنا ميتة البر لا ميتة البر. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها وميتها. وقال بعض أهل العلم: إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر، وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء. وقال ابن القاسم: وأنا أتقيه ولا أراه حراما. قوله (والدم) قد اتفق العلماء على أن الدم حرام، وفي الآية الأخرى - أو دما مسفوحا - فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم، قال القرطبي: بالإجماع. وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم، فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ينكره. قوله (ولحم الخنزير) ظاهر هذه الآية والآية الأخرى أعني قوله تعالى - قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير - أن المحرم إنما هو اللحم فقط. وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره. وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم. وحكى القرطبي الإجماع أيضا على أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه تجوز الخرازة به.
قوله (وما أهل به لغير الله) الإهلال: رفع الصوت، يقال أهل بكذا: أي رفع صوته. قال: الشاعر يصف فلاة: