(أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) من جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله) وليس قوله يسمعون التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) الآية: قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما سمعوه ووعوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) الآية، قال: الذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود. وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله (يسمعون كلام الله) قال: هي التوراة حرفوها. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أي بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه إليكم خاصة (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) قالوا لا تحدثوا العرب بهذا فقد كنتم تستفتحون به عليهم، وكان منهم - ليحاجوكم به عند ربكم - أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق باتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ونجد في كتابنا أجحدوه ولا تقروا به. وأخرج ابن جرير عنه أن هذه الآية في المنافقين من اليهود وقوله (بما فتح الله عليكم) يعني بما أكرمكم به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقالوا بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن سبب نزول الآية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن، فكان اليهود يظهرون الإيمان فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار، وكان المؤمنون يقولون لهم: أليس قد قال الله في التوراة كذا وكذا؟ فيقولون نعم، فإذا رجعوا إلى قومهم (قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) الآية " وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أن سبب نزول الآية: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام لقوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغوت، فقالوا: من أخبر هذا الأمر محمدا؟ ما خرج هذا الأمر إلا منكم (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم) " أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم. وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية: " أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عالمهم وهو ابن صوريا فقال له: احكم، قال: فجبوه، والتجبية: يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبحكم الله حكمت؟ قال: لا، ولكن نساءنا كن حسانا فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم، وفيه نزل (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) الآية " وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) قال: هم اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم (وإذا خلا بعضهم إلى بعض) نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبين لهم في كتابه من أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونعته ونبوته وقالوا: إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم (أفلا تعقلون. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) قال: ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين