الألوان، وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء. قال بعضهم: حتى قرنها وظلفها. وقال الحسن وسعيد ابن جبير: إنها كانت صفراء القرن والظلف فقط، وهو خلاف الظاهر. والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة.
وروى عن الحسن أن صفراء معناه سوداء، وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها، وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسر الناظرين، وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجزي على الأسود بوجه من الوجوه، فإنهم يقولون في وصف الأسود: حالك وحلكوك ودجوجي وغربيب. قال الكسائي: يقال فقع لونها يفقع فقوعا: إذا خلصت صفرته. وقال في الكشاف: الفقوع إذا أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه. ومعنى (تسر الناظرين) تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجابا بها واستحسانا للونها. قال وهب: كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها، ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ولا ارعووا من سفههم وجهلهم، بل عادوا إلى تعنتهم فقال (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا) أي أن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة، ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلهم عليه، والامتثال لما أمروا به. والذلول: التي لم يذللها العمل: أي هي غير مذللة بالعمل ولا ريضة به. وقوله (تثير) في موضع رفع على الصفة لبقرة: أي هي بقرة لا ذلول مثيرة، وكذلك قوله (ولا تسقي الحرث) في محل رفع لأنه وصف لها: أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الزروع، وحرف النفي الآخر توكيد للأول: أي هي بقرة غير مذللة بالحرث ولا بالنضح، ولهذا قال الحسن: كانت البقرة وحشية. وقال قوم: إن قوله " تثير " فعل مستأنف.
والمعنى: إيجاب الحرث لها والنضح بها. والأول أرجح، لأنها لو كانت مثيرة ساقية لكانت مذللة ريضة، وقد نفى الله ذلك عنها. وقوله (مسلمة) مرتفع على أنه من أوصاف البقرة، ويجوز أن يكون مرتفعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف: أي هي مسلمة. والجملة في محل رفع على أنها صفة، والمسلمة: هي التي لا عيب فيها، وقيل مسلمة من العمل، وهو ضعيف لأن الله سبحانه قد نفى ذلك عنها، والتأسيس خير من التأكيد، والإفادة أولى من الإعادة.
والشية أصلها وشية حذفت الواو كما حذفت من يشي، وأصله يوشي، ونظيره الزنة والعدة والصلة، وهي مأخوذة من وشى الثوب: إذا نسج على لونين مختلفين، وثور موشى في وجهه وقوائمه سواد. والمراد أن هذه البقرة خالصة الصفرة ليس في جسمها لمعة من لون آخر. فلما سمعوا هذه الأوصاف التي لا يبقى بعدها ريب ولا يخالج سامعها شك، ولا تحتمل الشركة بوجه من الوجوه، أقصروا من غوايتهم، وانتبهوا من رقدتهم وعرفوا بمقدار ما أوقعهم فيه تعنتهم من التضييق عليهم (قالوا الآن جئت بالحق) أي أوضحت لنا الوصف، وبينت لنا الحقيقة التي يجب الوقوف عندها، فحصلوا تلك البقرة الموصوفة بتلك الصفات (فذبحوها) وامتثلوا الأمر الذي كان يسرا فعسروه، وكان واسعا فضيقوه (وما كادوا يفعلون) ما أمروا به لما وقع منهم من التثبط والتعنت وعدم المبادرة، فكان ذلك مظنة للاستبعاد، ومحلا للمجئ بعبارة مشعرة بالتثبط الكائن منهم، وقيل إنهم ما كادوا يفعلون لعدم وجدان البقرة المتصفة بهذه الأوصاف، وقيل لارتفاع ثمنها، وقيل لخوف انكشاف أمر المقتول، والأول أرجح. وقد استدل جماعة من المفسرين والأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل إمكان الفعل.
وليس ذلك عندي بصحيح لوجهين: الأول: أن هذه الأوصاف المزيدة بسبب تكرر السؤال هي من باب التقييد للمأمور به لا من باب النسخ، وبين البابين بون بعيد كما هو مقرر في علم الأصول. الثاني: أنا لو سلمنا أن هذا من باب النسخ لا من باب التقييد لم يكن فيه دليل على ما قالوه، فإنه قد كان يمكنهم بعد الأمر الأول أن يعمدوا