اشتروا به أنفسهم) قال: هم اليهود كفروا بما أنزل الله وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بغيا وحسدا للعرب (فباءوا بغضب على غضب) قال: غضب الله عليهم مرتين بكفرهم بالإنجيل وبعيسى وبكفرهم بالقرآن وبمحمد.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (بغيا أن ينزل الله) أي ان الله جعله من غيرهم (فباءوا بغضب) بكفرهم بهذا النبي (على غضب) كان عليهم بما صنعوه من التوراة. وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه. وأخرج أيضا عن مجاهد معناه. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (ويكفرون بما وراءه) قال: بما بعده. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: بما وراءه: أي القرآن.
قد تقدم تفسير أخذ الميثاق ورفع الطور. والأمر بالسماع معناه الطاعة والقبول، وليس المراد مجرد الإدراك بحاسة السمع، ومنه قولهم " سمع الله لمن حمده " أي قبل وأجاب، ومنه قول الشاعر:
دعوت الله حتى خفت أن لا * يكون الله يسمع ما أقول أي يقبل، وقولهم في الجواب (سمعنا) هو علي بابه وفي معناه: أي سمعنا قولك بحاسة السمع وعصيناك: أي لا نقبل ما تأمرنا به، ويجوز أن يكونوا أرادوا بقولهم " سمعنا " ما هو معهود من تلاعبهم أبي واستعمالهم المغالطة في مخاطبة أنبيائهم وذلك بأن يحملوا قوله تعالى (اسمعوا) على معناه الحقيقي أي السماع بالحاسة. ثم أجابوا بقولهم (سمعنا) أي أدركنا ذلك بأسماعنا عملا بموجب ما تأمر به، ولكنهم لما كانوا يعلمون أن هذا غير مراد الله عز وجل بل مراده بالأمر بالسماع الأمر بالطاعة والقبول لم يقتصروا على هذه المغالطة بل ضموا إلى ذلك ما هو الجواب عندهم فقالوا (وعصينا)، وفي قوله (وأشربوا) تشبيه بليغ: أي جعلت قلوبهم لتمكن حب العجل منها كأنها تشربه، ومثله قول زهير: فصحوت عنها بعد حب داخل * والحب يشربه فؤادك دائما وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل، لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام يجاوزها ولا يتغلغل فيها، والباء في قوله (بكفرهم) سببية: أي كان ذلك بسبب كفرهم عقوبة لهم وخذلانا. وقوله (قل بئسما يأمركم به إيمانكم) أي إيمانكم الذي زعمتم أنكم تؤمنون بما أنزل عليكم وتكفرون بما وراءه فإن هذا الصنع وهو قولكم (سمعنا وعصينا) في جواب ما أمرتم به في كتابكم وأخذ عليكم الميثاق به مناد عليكم بأبلغ نداء بخلاف ما زعمتم، وكذلك ما وقع منكم من عبادة العجل ونزول حبه من قلوبكم منزلة الشراب هو من أعظم ما يدل