آمنوا، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) يعني من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكذبهم، وما يعلنون حين قالوا للمؤمنين آمنا، وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف.
قوله (ومنهم) أي من اليهود. والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب، ومنه حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وقال أبو عبيدة: إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب، فكأنه قال: ومنهم أهل الكتاب، وقيل: هم نصارى العرب، وقيل: هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها، وقيل: هم المجوس، وقيل غير ذلك والراجح الأول. ومعنى (لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ويعللون بها أنفسهم. والأماني جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون ولا يقرءون المكتوب، والاستثناء منقطع: أي لكن الأماني ثابتة لهم من كونهم مغفورا لهم بما يدعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم، وقيل الأماني الأكاذيب كما سيأتي عن ابن عباس. ومنه قول عثمان بن عفان: ما تمنيت منذ أسلمت: أي ما كذبت، حكاه عنه القرطبي في تفسيره، وقيل الأماني: التلاوة، ومنه قوله تعالى - إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته - أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر، ومنه قول كعب بن مالك:
تمنى كتاب الله أول ليلة * وآخره لاقى حمام المقادر وقال آخر: تمنى كتاب الله آخر ليلة * تمنى داود الزبور على رسل وقيل الأماني: التقدير. قال الجوهري: يقال منى له: أي قدر، ومنه قول الشاعر:
لا تأمنن وإن أمسيت في حرم * حتى تلاقي ما يمنى لك الماني أي يقدر لك المقدر. قال في الكشاف: والاشتقاق من منى إذا قدر، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه