أي الثوم، وقال حسان:
وأنتم أناس لئام الأصول * طعامكم الفوم والحوقل يعنى الثوم والبصل، وقيل الفوم: السنبلة، وقيل الحمص، وقيل الفوم كل حب يخبز. والعدس والبصل معروفان. والاستبدال: وضع الشئ موضع الآخر (وأدنى) قال الزجاج: إنه مأخوذ من الدنو: أي القرب والمراد: أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المن والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه، والحل الذي لا تطرقه الشبهة وعدم الكلفة بالسعي له والتعب في تحصيله، وقوله (اهبطوا مصرا) أي أنزلوا، وقد تقدم معنى الهبوط. وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر، وقيل إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه، فهو مثل قوله تعالى - كونوا حجارة أو حديدا - وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية والتأنيث لأنه ثلاثي ساكن الوسط، وهو يجوز صرفه مع حصول السببين، وبه قال الأخفش والكسائي. وقال الخليل وسيبويه: إن ذلك لا يجوز وقالا: إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصرا من الأمصار ولم يرد المدينة المعروفة، وهو خلاف الظاهر. وقرأ الحسن وأبان بن تغلب وطلحة بن مصرف بترك التنوين، وهو كذلك في مصحف أبي وابن مسعود. ومعنى ضرب الذلة والمسكنة إلزامهم بذلك والقضاء به عليهم قضاء مستمرا لا يفارقهم ولا ينفصل عنهم، مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها، ومنه قول الفرزدق يهجو جريرا:
ضربت عليك العنكبوت بوزنها * وقضى عليك به الكتاب المنزل وهو ضرب من الهجاء بليغ، كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة، ومنه قول الشاعر:
إن المروءة والشجاعة والندى * في قبة ضربت على ابن الحشرج وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة، فإن اليهود أقماهم الله أزل الفرق وأشدهم مسكنة وأكثرهم تصاغرا، لم ينتظم لهم جمع ولا خفقت على رؤوسهم راية. ولا ثبتت لهم ولاية، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن، وطروقة كل فحل في كل عصر، ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ، فهو متظاهر بالفقر مترد بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله، إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية، أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجرئ على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه. ومعنى (باءوا) رجعوا، يقال باء بكذا: أي رجع به، وباء إلى المباءة: أي رجع إلى المنزل والبواء: الرجوع. ويقال هم في هذا الأمر بواء، أي سواء: يرجعون فيها إلى معنى واحد، وباء فلان بفلان إذا: كان حقيقا بأن يقبل به لمساواته له ومنه قول الشاعر * ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي * محاربنا حديث لا يبوا عند الدم بالدم والمراد في الآية أنهم رجعوا بغضب من الله أو صاروا أحقاء بغضبه. وقد تقدم تفسير الغضب. والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به، ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة، بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر. ويمكن أن يقال أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه، بل أرشدوهم إلى مصالح الدين