البلاغة المترقبة من الكتاب المبين المتحدي به خالدا، وهذا يومئ إلى نحو عجز في الإفادة، أو جانب من الضعف في إبراز المقصود، وكل ذلك بعيد عن ساحته المقدسة. وإن شئت نظرت إلى قوله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) * (1).
وقوله: * (واتقوا يوما لا تجزي نفس...) * (2) إلى آخر الآية، ثم يقول بعد آيات أيضا: * (يا بني إسرائيل...) * إلى آخر الآية الثانية، إلا في بعض يسير، فراجع، ولعمري إنه عجيب.
ولعل ما عن ابن عباس: من استثناء * (واتقوا يوما) * من كونها مدنية (3) مع الإجماع على مدنية البقرة، كان للإيماء إلى أنها أضيفت إليها، ووقعت في غير محلها، وهذه المرتبة من التحريف مما يلتزم به جمع، لكثرة الابتلاء بها في الكتاب العزيز.
ولكن - بعد اللتيا والتي - إن من يعرف موقف القرآن السماوي، وأنه رسالة هداية البشر إلى السعادة بطريق النصيحة والخطاب، وإحياء المرتكزات الإنسانية والفطرة المخمورة، المحجوبة ببعض مراحل الحجب القابلة للمحو الإفناء، يجد أن أمثال هذه المكررات المنسجمة المتناسقة مع الأرواح، الملائمة للذوق والشوق العربي وغير العربي، ليست على خلاف دأب المتكلمين وأرباب الوعظ والإرشاد وأصحاب الخطابة والبلاغة.